لغة: الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل، أى أزالته (لسان العرب) (1).
واصطلاحا: عرف النسخ فى اصطلاح الأصوليين بتعريفات كثيرة، فعرفه البيضاوى بأنه: بيان انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى متراخ عنه (2).
وعرفه ابن الحاجب بأنه: رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر (3).
ومعنى تعريف البيضاوى: (4) أن الحكم الشرعى مُغيا عندالله تعالى بغاية، أو محدد بوقت معين، فإذا جاءت هذه الغاية أو حل الوقت المعين انتهى الحكم لذاته.
ومعنى تعريف ابن الحاجب: (5) رفع تعلق الحكم الشرعى بأفعال المكلفين لارفعه هو، فإنه أمر واقع، والواقع لايرتفع.
وللنسخ فى الشريعة الإسلامية حكمة عظيمة: ففيه حفظ لمصالح العباد فى وقت الرسالة، لانتقال المسلمين من فوضى الجاهلية إلى نظام الإسلام، فاقتضت حكمة الشارع ألا ينقلهم دفعة واحدة إلى ما يستقر عليه التشريع آخر الأمر، لأنهم لايطيقون ذلك، بل سلك بهم طريق تشريع الحكم الملائم لحالهم أول الأمر، فإذا أذاقوا بشاشته وألفوا الخروج على ما تعودوه بترويض أنفسهم لذلك جاء حكم آخر.
لذا نجد النسخ قد يكون من الأخف إلى الأشد، وقد يكون من الأشد إلى الأخف، وهذا تمشيا مع المصلحة، فإذا كانت المصلحة فى تبديل حكم بحكم، وشريعة بشريعة كان التبديل لمراعاة هذه المصلحة، وعموما ففى النسخ رحمة الله لخلقه بالتخفيف عنهم والتوسعة عليهم (6).
وأركان النسخ أربعة: (7).
1 - النسخ: وهى الرواية والمعنى الحاصل بالمصدر "الارتفاع" أى ارتفاع الحكم.
2 - الناسخ: وهو الله سبحانه حقيقة، وتسمية الدليل ناسخا مجاز.
3 - المنسوخ: وهو الحكم الذى انقطع تعلقه بأفعال المكلفين فيما يستقبل من الزمن.
4 - المنسوخ عنه: وهو المكلف الذى رفع عنه التكليف بالحكم المنسوخ، ووقع عليه بالحكم الناسخ.
وأكثر أهل الفقه والأصول على جواز النسخ عقلا ووقوعه شرعا، إلا ما نقل عن أبى مسلم الأصفهانى فقد منع وقوعه وإن قال بجوازه عقلا. وذهب كثير من المحدثين إلى عدم وقوعه فى القرآن الكريم وإن وقع فى السنة المشرفة (8).
أمر الله تعالى المتوفى عنها زوجها بالاعتداد حولا وذلك فى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} البقرة:240. ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر كما فى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة:234، قد نسخت هذه الآية الآية المتقدمة.
وللنسخ شروط منها ما هومتفق عليه، ومنها ما هومختلف فيه (9).
أما الشروط المتفق عليها بين العلماء فهى:
1 - أن يكون المنسوخ حكما شرعيا، لأن الأمورالعقلية التى مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ، وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات.
2 - أن يكون النسخ بخطاب شرعى لا بموت المكلف، لأن إرتفاع الحكم بالموت سقوط تكليف لانسخ.
3 - أن يكون الحكم السابق مقيدا بوقت معين.
4 - أن يكون الناسخ متراخيا عن المنسوخ، فإن المقترن بالشرط والصفة والاستثناء لا يسمى نسخا بل تخصيصا.
وأما الشروط المختلف فيها فكثيرة منها:
1 - أن لا ينسخ القرآن إلا بقرآن، ولا سنة إلا بالسنة.
2 - أن يكون الناسخ مثل المنسوخ فى القوة، أو أقوى منه لا دونه، فلا ينسخ القرآن بالآحاد، لأن الأقوى لا يفسخه ضعيف.
3 - أن يكون الفعل المراد نسخه قد دخل وقته وتمكن المكلفون من امتثاله، فلا يجوز نسخ العقل قبل التمكن من الامتثال.
4 - أن يكون الناسخ مقابلا للمنسوخ، مقابلة الأمر للنهى، والمضيق للموسع.
5 - أن يكون الناسخ والمنسوخ نصين قاطعين.
6 - أن يكون النسخ ببدل مساو، أو بما هو أخف منه.
7 - أن يكون الخطاب المنسوخ حكمه مما لايدخله الاستثناء والتخصيص.
والراجح أنه لا اعتبار لهذه الشروط، وإن كان قال بكل واحد منها فريق، فهناك فريق آخر قال بضده، ولايحتج بقول على قول، تعقيب: على أن مسألة النسخ كانت مثار خلاف شديد بين من يثبتونه على ما ورد بصدد هذه الدراسة.
لكن من ينكرونه يستندون إلى ملاحظات جديرة بالاعتبار منها:
1 - أن من بعض أوصاف القرآن فى القرآن - آية {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} هود:1.
والإحكام ينافى النسخ.
2 - أن تفسير"النسخ" قد يوهم ما لا يتفق وإحكام الحق تبارك وتعالى لكتابه، كما ينافى مما قد يقع فى الوهم منافيا لجلال الله من تردد أو ارتياب فيما يحكم به، فيكون نسخه وتعديله.
3 - بعض العلماء ومنهم الاستاذ الدكتور محمد البهى رحمه الله على ما حدثنى الأستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف من أن الدكتور البهى تتبع لفظ الآية فى القرآن، فوجد أن كل ما ورد عن الآية فى القرآن جاء بلفظ الجمع (آيات) إلا آية النسخ هذه، ومن ثم يرجح أن تكون بمعنى العلامة أو لآية كونية (9).
والله أعلم
أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس