الموحدون: هم أصحاب ومؤسسو الدولة الإسلامية التى قامت فى المغرب والأندلس فى القرنين السادس والسابع الهجريين (القرنين 12، 13 للميلاد).
وينتمى الموحدون إلى قبائل مصمودة البربرية، ومن أبرزهم هنتانة (إينتى)، وهيلانة (إيت إيلان)، وهسكورة وهزرجة وهرغة، وكانت مواطنهم فى المغرب الأقصى من ساحل البحر عند أسفى، وتمتد شرقا مسافات بعيدة فى بلاد المغرب الأوسط.
وترجع نشأة الموحدين- الذين قاموا يدعون إلى تنقية العقيدة الإسلامية مما أصابها من تحريف- إلى رجل من قبيلة هرغة، واسمه محمد بن توُمَرْت، ويعرف بالمهدى بن تومرت، وفى نسبه أقوال مختلفة وبعضها ينسبه إلى الحسن بن على بن أبى طالب. وكان مولده عام 485 هـ/1092م، أو قبل ذلك على الأرجح، وفى مطلع المائة السادسة الهجرية شد رحله إلى المشرق لطلب العلم، فسمع من أبى حامد الغزالى وغيره من أعلام ذلك العصر، ثم عاد إلى المغرب، وأخذ يدعو الناس إلى العقيدة الصحيحة، ونبذ كل ما يخالف تعاليم الإسلام، وتجرد للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مما كان سببا فى كراهية الحكام له، وطرده من بلاد المغرب التى مر بها، ومن بينها تلمسان التى التقى فيها بتلميذه الشهير: عبد المؤمن بن على الكومى سنة 510 هـ/1116م، لكنه حاز إعجاب كثير من العامة، وأصبح له مريدون يسيرون معه حيث سار، وفى طليعتهم عبد المؤمن الذى خصه ابن تومرت بمزيد اهتمام وعناية.
أخذ ابن تومرت يجوب بلاد المغرب الأقصى، يحيط به أتباعه، وهو لا يكف عن الدعوة إلى التمسك بتعاليم الإسلام الصحيحة، وينحى باللائمة على المرابطين، الذين كان يرى منهم تراخيا فى هذه الصدد، على الرغم مما عرف عن علىِّ بن يوسف بن تشفين- أمير المرابطين يومئذ- من الصلاح والتقوى والتمسك بعرى الإسلام.
ويرى بعض المؤرخين أن مهاجمة ابن تومرت للمرابطين، ودعوته إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إنما تخفى وراءها أهدافا سياسية، وسعيا حثيثا إلى إقامة دولة مصمودية على أنقاض دولة المرابطين الصنهاجية. ولذلك اتخذ من قرية (تينملل) - وهى فى منازل قبيلة هرغة فى أغمات (إيجيليز) عند منابع وادى نفيس المنحدر من جبال السوس- مركزاً لإقامته ودعوته، حيث تسارعت إليه جموع المصامدة، فأخذ فى إعدادهم عسكريا وفكريا، ورتبهم طبقات، فأولهم: أهل الدار- وهم أهل بيته- ثم إيت عشرة (أهل عشيرة) ثم ايت خمسين. وهكذا صارت تينملل معقلا لدعوة المهدى بن تومرت وأتباعه من قبائل مصمودة. ولما اطمأن إلى إخلاصهم له وقدراتهم العسكرية، بدأ الاصطدام بالمرابطين- الذين كانوا قد دخلوا مرحلة الضعف والتفكك فى الأندلس.
وحقق الموحدون عدة انتصارات عليهم. غير أن على بن يوسف أمير المرابطين، حشد لهم جيشا ضخما تمكن به من هزيمة الموحدين، الذين استحر فيهم القتل، وأُسِر منهم عدد ضخم، وعقب ذلك مات ابن تومرت زعيم الموحدين فى عام 524 هـ/ 1130م.
بايع الموحدون عبد المؤمن بن على بناء على وصية ابن تومرت إليه من بعده، وكان اختياره لقيادتهم موفقا لما يتصف به عبد المؤمن من النجابة والعقل ومؤهلات القيادة الأخرى، فتصدى للمرابطين، وبدأ يغزو بلادهم ويضمها إليه، فأخذ وهران ثم تلمسان ثم فاس ثم سلا، وسبتة. وفرض الحصار بعد ذلك على مراكش عاصمة المرابطين، وألح على فتحها أحد عشر شهرا حتى سقطت سنة 542 هـ/1147 م، ومن ثم دانت لهم بقية بلاد المغرب جميعا من ساحل المحيط إلى شرق طرابلس. وبذلك يكون الموحدون أول من جمع بلاد المغرب تحت لواء واحد، كما طردوا النورمان من سواحل المغرب الأدنى.
بعدئذ بدأ الموحدون جهادهم فى الأندلس، وسجلوا صفحات ناصعة فى ميدان الدفاع عن الإسلام وأهله ضد نصارى أسبانيا والبرتغال، الذين انتهزوا فرصة ضعف المرابطين، فأخذوا يغيرون على المدن والقرى الإسلامية، ويضمون إلى أملاكهم ما استطاعوا منها. فلم يجد مسلمو الأندلس ملاذاً يلجأون إليه إلا الموحدين، فبدأت وفودهم تقبل على عبد المؤمن بن على، تستصرخه لإنقاذ بلاد الإسلام من خطر النصارى، ونجدة إخوانه فى الدين من عدوانهم، فاستجاب لهم قائد الموحدين ووعدهم النصرة والمعونة العاجلة.
كان أول عبور للموحدين إلى الأندلس فى سنة 546 هـ/1151م، وذلك رداً على استيلاء ألفونسو السابع ملك قشتالة وليون على المرية، فاستردتها جيوش عبد المؤمن، وفرض الموحدون سيادتهم على ما بقى بأيدى المسلمين فى الأندلس، وهو القسم الجنوبى منها، الذى يحده شمالا مجرى الوادى آنه ثم مجرى نهر بلنسية.
رجع قائد الموحدين إلى المغرب، وشُغل بالقضاء على المناوئين لدولته فى بعض أقاليم المغرب، لكنه لم يغفل عن متابعة أحوال الأندلس، حتى ألمَّ به المرض الذى توفى فيه سنة 558 هـ/1163 م، بعد حكم امتد ثلاثة وثلاثين عاماً، حيث بويع لابنه أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بن على.
فى عام 560 هـ/1165م جرد الموحدون حملة عسكرية إلى الأندلس، لتعزيز الدفاعات الإسلامية فى مواجهة العدوان الأسبانى. كذلك اصطدم جيش الموحدين بقوات محمد بن سعد بن مردنيس المتعاون مع الأسبان، حيث بلغ عدد النصارى المرتزقة فى جيشه الذى قاتل الموحدين- فى موقعة فحص الجلاب قرب مرسية- ثلاثة عشر ألف محارب! لكن النصر الكبير كان حليف الموحدين فيها، حيث توفى ابن مردنيس فيما بعد.
لم يتوقف جهاد الموحدين فى الأندلس، ففى سنة 566 هـ/1171م، عبر الخليفة يوسف بن عبد المؤمن بقوات كبيرة من المغرب، وانضم إليهم جيش الأندلس للقيام بأعمال الجهاد فى عدة مناطق، وامتدت هذه الحملة خمسة أعوام، عاد بعدها الخليفة إلى مراكش. لكنه فى الجولة الأخيرة له ضد ملك البرتغال: ألفونسو هنريكى- الذى يسميه مؤرخو المسلمين: ابن الريق- فى موقعة استرداد مدينة شنترين سنة 580 هـ/1184م، أصيب يوسف بن عبد المؤمن إصابة خطيرة توفى على إثرها، حيث بويع بالخلافة بعده أكبر أبنائه يعقوب، الذى تلقب بالمنصور. وبعد أحداث وقعت فى الشمال الإفريقى، اتجه الموحدون نحو الأندلس، لاستئناف الجهاد ضد النصارى سنة 586 هـ/1190م، حيث عقدت هدنة بين الطرفين. بعد إنتهاء مدتها عاد الصدام بينهما فى موقعة الأَرَك الطاحنة، التى انتصر فيها الموحدون بقيادة الخليفة المنصور على ألفونسو الثامن وجيوشه عام 591 هـ/1195م، حيث هدأ الضغط النصرانى على الجزء الإسلامى من الأندلس إلى حين.
بعد بضع سنوات توفى يعقوب المنصور ثالث الموحدين عام 595 هـ/1199م، حيث خلفه ولده محمد الناصر لدين الله، الذى وجه همَّه نحو إفريقيا والمغرب، فأنزل الموحدون ضرباتهم القاسية بالثائرين عليهم والخارجين عن طاعتهم من بنى غانية المسُّوفيين- وهم بقايا المرابطين- وعرب الهلالية، فعادت إفريقيا والمغرب الأوسط وجزائر البليار إلى طاعة الموحدين سنة 602هـ، 1205م.
عاد ألفونسو الثامن إلى عدوانه على المسلمين، فعبر الناصر بقواته إلى الأندلس، حيث التقى الفريقان فى معركة قاسية تسمى (حصن العقاب) سنه 609 هـ/1213م، وكان الضغط فيها شديدا على المسلمين، فانتهى اللقاء بهزيمة الموحدين وتشتت قواتهم، ومن ثم عاد الناصر إلى مراكش حزينا كسيرا، وما لبث أن توفى فى العام التالى- حسرة وألما على ما أصاب المسلمين وأصابه فى موقعة حصن العقاب التى كانت نذيرا بزوال دولة الموحدين، وانقسامها إلى ثلاث دول، هى: دولة بنى مرين، ودوله بنى حفص، ودولة بنى عبد الواد.
أ. د. محمد جبر أبو سعدة