65 - الموَّال

اصطلاحاً: مأخوذ أو منحوت على غير قياس فى العصور المتأخرة مما عرفه تاريخ الأدب العربى منذ القرن الثانى الهجرى- الثامن الميلادى- باسم (المواليا) وهو فن جديد من الفنون الشعرية المستحدثة التى ظهرت بين الطبقات الشعبية فى بلاد المشرق الإسلامى فى العصور العباسية المتتابعة فى إطار محاولات الخروج على نظام القصيدة العربية الموروثة من حيث وحدة قافيتها، طلبا للسهولة والسيرورة بين عامة الناس تأليفاً وغناءً وسماعاً.

وكان (المواليا) فى بداية أمره معربا فصيحا يتألف من بيتين فقط من بحر البسيط القابل للغناء والترنيم، وفى نهاية كل شطر من البيتين قافية على روىٍّ واحد، وبعبارة أكثر وضوحا: هو فى أصله مقطوعة معرَّبة من بيتين من بحر البسيط ذات قواف أربع موحدة الروىّ، يبدعها الشعراء ويلحنها المغنون البسطاء فى أعمالهم الحياتية، وفى مناسباتهم الاجتماعية المختلفة وفى تجاربهم الذاتية الحزينة أو السعيدة، وكانوا يطلقون على كل مقطوعة منه "صوتا".

ويذكر مؤرخو الأدب ونقاده فى نشأة هذا الفن وموطنه وأغراضه وسبب تسميته بهذا الاسم:

إنَّ أول من نطق به (أهل واسط) فى القرن الثانى الهجرى، وذكر صفى الدين الحلى أنه سُمى بهذا الاسم لأن الواسطيين لما اخترعوه، وكان سهل التناول لقصره، وتعلَّمه عبيدُهم المتسلِّمُون عمارة بساتينهم، والفُعول، والمغامرة، والأبَّارون فكانوا يُغنُّون به فى رؤوس النخيل، وعلى سقى المياه، ويقولون فى آخر كلِّ صوت مع الترنيم: (يا مواليا) إشارة إلى ساداتهم فغلب عليه هذا الاسم. وصاروا ينظمونه فى الغزل والمديح وسائر الأغراض على قاعدة القريض.

ثم انتقل هذا الفن إلى (بغداد) فاستعمله عامتهم فلطَّفوه ونقحوه، ورققوه، وحذفوا منه الإعراب وحوّلوا لغته إلى عامِّية ملحونة، واعتمدوا على سهولة اللفظ ورشاقة المعنى، ونظموا فيه الجِدَّ والهزل، والرقيق والجزل، واشتهروا فى ذلك حتى كاد المؤرخون ينسبونه إليهم ويتناسون أهل واسط.

وجاءت حادثة البرامكة فساعدت على سرعة انتشاره بين الناس بعد أنْ تخلّى عن إعرابه وفصاحته، إذ ذكروا أن جارية لجعفر البرمكى رثته بهذا الفن الجديد، وكانت تنشده وتقول بعد كل مقطوعة منه: (وامواليا) أو (يا مواليا) كما كان يقول أهل واسط، ولَّما حُملت الجارية إلى الرشيد- وكان قد منع من يرثيهم بشعر- قالت: ليس هذا شعرا لأنه عامِّىٌّ ملحون.

ومن بغداد انتقل هذا الفن وشاع واشتهر فى سائر الأمصار، فعرفته مصر والشام وغيرهما من البلاد العربية، وذاع بين الفئات الشعبية فى سائر الأغراض الشعرية من غزل ورثاء وهجاء ومديح وزهد، بعد أنْ حُلَّتْ قيود إعرابه وفصاحته، وبعد أن أفتى الإمام السيوطى رحمه الله بوجوب اللحن فيه، وجواز استخدام الألفاظ الجارية فى خطاب العوام من الناس فى تأليفه.

ويمكن تعريفه أخيرا بعد هذه المراحل التى قطعها فى مسيرته التاريخية التى أطاحت أخيرا بتاج فصاحته وإعرابه بأنه: "بيتان ملْحونان من بحر البسيط تُقفَّى شطورهما الأربعة بقافيه واحدة" ومن نماذجه الغزلية قول الحكيم بن السويدى الشامى.

البدر والسّعد: ذا شبهك وذا نجمك ..

والقدّ والحُسْن: ذا رُمْحَك وذا سهمك ..

والبغض والحب: ذا قسمى وذا قسمكْ ..

والمسك والحُسن: ذا خالك وذا عمَّك.

هذا وقد تطوّر اسم (المواليا) فيما بعد إلى (الموّال) مما يدل على أن الأخير مأخوذ من الأول ومنحوت منه، وإن كان على غير قياس كما ذكرنا سلفا، وذهب أستاذنا المرحوم الدكتور (عبد الحميد يونس) إلى أنَّ الموَّال مأخوذ من (الولَولَة) دون أن يوضح كيفية هذا الأخذ وإلى الآن لا أعرف تخريجا لهذا الاشتقاق.

أ. د/ جلال صابر حجازى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015