لغةً: الواقعة العظيمة، والحرب ذات القتل الشديد، وموضع القتال والجمع ملاحم، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها، وقيل هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى (1). ويقال: لاحمتُ الشىء بالشىء: إذا ألصقته به (2) وقد اجتمعت هذه المعانى اللغوية كلها فيما عرفه العرب منذ القديم عن مفهوم الملحمة، حيث يلتحم المقاتلون فى مواضع القتال وتختلط لحوم قتلاهم وكان العرب يعدون أنفسهم فى (الملحمة) بمجرد تجمعهم للحرب، ويشير إلى هذا ما ذكرهُ البخارى فى حديث طويل يوم فتح مكة (3) عندما قال أحد الصحابة من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان يحمل راية الجيش: اليوم يوم الملحمة، ففزع لذلك أبو سفيان وقال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: أمرْتَ بقتل قومك؟ قال: لا، فذكر له ما قاله الأنصارى ثم ناشده الله والرحم فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله قريشاً، وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس، وقد ظل مفهوم الملحمة فى العربية مرتبطا بمعارك القتال، وكان ذكر الملاحم يعنى الحروب الطاحنة التى تختلط بين رحاها أجساد المقاتلين.
واصطلاحاً: الملحمة بمفهومها الحربى أحد الأجناس الأدبية التى عنى بها الباحثون فى الدراسات الأدبية فى العصر الحديث وبخاصة (الأدب المقارن).
ولعل هذا هو الذى عناه صاحب كتاب (المنجد) وهو يتحدث عن السبب فى تسمية الموقعة القتالية بالملحمة فيقول: وذلك مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها، ثم يربط هذه التسمية بتصوير هذه الوقائع الحربية والتعبير عنها فى أعمال أدبيه فيقول: كناية عن عمل شعرى طويل يتألف من أناشيد عديدة نظمت فى وصف حرب من الحروب، ووصف جيوشها وأبطالها والأمكنة التى دارت فيها، وتشترك الآلهة فى وقائعها وتقوم على الأساطير والخرافات كإلياذة هوميروس وماشاكلها (4).
أما الدكتور محمد غنيمى هلال، وهو أحد المعنيين بالدراسات الأدبية المقارنة فى العصر الحديث، فيذكر فى معرض حديثه عن الأجناس الأدبية، حيث يُعدّ الملحمة أولى هذه الأجناس فيقول: الملحمة من حيث هى جنس أدبى: هى قصة بطولة تحكى شعرا، وتحتوى على أفعال عجيبة، أى على حوادث خارقة للعادة، وفيها يتجاور الوصف مع الحوار وصور الشخصيات والخطب، وإن كانت الحكاية هى العنصر الذى يسيطر على باقى العناصر الأخرى.
وللملحمة فى أبطالها وحوادثها أصول تاريخية، ولكنها تختلط بالأساطير والخرافات فى تلك العهود التى لم تقم فيها حدود فاصلة بين الحقائق والخيالات (5).
ثم يشير د. غنيمى هلال إلى أهم الملاحم فى الأدب اليونانى القديم وهى (إلياذة هوميروس)، حيث تدور وقائعها وأحداثها حول حصار طروادة، أما أبطالها فهم خليط بين البشر والآلهة (6) كذلك يذكر من الملاحم الرومانية (الإنيادة) لشاعر اللاتين: (فرجيل) وهى ملحمة وطنية غايتها الإشادة بأصل الإمبراطورية الرومانية (7).
ومن الواضح أن الأدب العربى لا توجد فيه (الملاحم) بهذا المفهوم الفنى لذلك الجنس الأدبى، وإن كان فى (الأدب الشعبى) ما يمكن أن يطلق عليه (الملحمة الشعبية) من أمثال ملاحم أبى زيد الهلالى والزير سالم، والظاهر بيبرس، وغيرها (8).
أ. د / صلاح الدين محمد عبد التواب