لغة: الملك والملاك: جنس نورانى لطيف من خلق الله تعالى (1) وجمعها: ملائكة وملائك (2)، كما أن لفظ ملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر مرسله (3) {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} الأنبياء:27.
والملائكة حقيقة مؤكدة من حقائق هذا الكون وقد ورد ذكرهم فى القرآن الكريم ثمانيا وثمانين مرة، لما لهم من دور عظيم فى هذا الكون (4)، حسب المشيئة الإلهية.
والملائكة عالم لطيف غيبى غير محسوس، خلقهم الله تعالى من نور، فهم من أشرف خلق الله تعالى، وهم عباد مكرمون، مبرءون من الميول النفسية والأهواء الشخصية، ومطهرون من الشهوات، ومنزهون عن الخطايا والآثام.
وليسوا كالبشر يأكلون ويشربون وينامون، وهم أيضا لا يتصفون بذكورة ولا بأنوثة، ولا بأى حالة مادية مما يتصف به البشر.
وللملائكة قدرة على التمثل بصورة بشرية أو غيرها مما يأذن به الله عز وجل.
لقد جاء جبريل إلى مريم متمثلا فى صورة بشرية: {واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا. فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا} مريم:16 - 17.
وحكم الإيمان بالملائكة: أنه واجب، لأنه يمثل الركن الثانى بعد الإيمان بالله، كما قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} البقرة:285.
فجعل الله سبحانه وتعالى، الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة: "مؤمنين". كما جعل الكفر بهذه الجملة، فقال عز وجل من قائل: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا} النساء:136.
وفى حديث جبريل المتفق على صحته، حيث سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فأجاب بقوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم (5).
وقد أوجب الله تعالى، الإيمان بالملائكة هكذا، لما لهم من شأن كبيرفى عالم الروح، ودور إيجابى فى الكون ومخلوقاته ومنها الإنسان. وإن الإيمان بهم يدفع إلى محاولة المعرفة بأوصافهم والتخلق بشمائلهم، وفى ذلك تطهير للقلب وتصفية للنفس (6)، وهو من علامات البر، ومن دلائل الصدق والتقوى والتعاون على الخير:
{ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} البقرة:177.
وكما خلق الله الجان من نار، وآدم من طين، خلق الملائكة من نور فعن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم)، أى من طين (رواه مسلم عن عائشة) (7).
وخلق الملائكة متقدم على خلق الإنسان، بدليل أن الله تعالى قد أخبرهم سلفا بأنه سيخلق الإنسان، ويجعله خليفته فى الأرض: {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم مالا تعلمون} البقرة:30.
ومسكن الملائكة عليهم السلام السماء، وينزلون منها حسب التوجيه الإلهى. فقد أخرج أحمد والبخارى من حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: (ما يمنعك أن تزونا أكثر مما تزونا؟) قال: فنزلت: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا} مريم:64.
ويرى بعض العلماء أن البشر عموما أفضل من الملائكة بحسب الظاهر. وحجة هؤلاء أن الملائكة عجروا عن الإجابة على الأسماء التى عرضت عليهم، بينما أجاب عليها آدم، فشرف بالعلم الذى خصه الله به.
وكدلك فى أمر الله للملائكة بالسجود لآدم ما يفيد تفضيله عليهم (انظرسورة البقرة من الآية 31 إلى 34)، وأيضا فإن طاعة الملائكة جبلية، وتركهم للمعصية لا يحتاج لأدنى مجاهدة، فهم لا شهوة لهم، بينما الإنسان يحتاج إلى مجاهدة لمصارعة هواه، وترقية روحه (8).
وينسب إلى أهل السنة تفضيل الأنبياء وصالحى البشر فقط على الملائكة.
كما ينسب إلى المعتزلة تفضيل الملائكة على البشر.
وكذلك ينسب إلى الشيعة تفضيل أئمتهم على جميع الملائكة.
والواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين، ولسنا مكلفين بأن نعتقد أى الفريقين أفضل، وإلا لبينه الكتاب والسنة، مثلما جاء تفضيل بعض الأنبياء والرسل على بعض (9) فى {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} الإسراء:55 {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} البقرة:253.
أما تفاوت الملائكة فيما بينهم فهو حاصل، سواء في الخلق أم فى الأقدار، فالتفاوت فى الخلق مثل: {الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى الخلق ما يشاء إن الله على كل شىء قدير} فاطر:1، أى أن الله خلق الملائكة وجعل لهم أجنحة: فمنهم من له جناحان، أو ثلاثة، أو أربعة، أو أكثر، فعن ابن مسعود (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح) (رواه مسلم عن ابن مسعود) وإن كثرة الأجنحة دليل على شدة السرعة فى تنفيذ أوامر الله وتبليغ رسالته: {وما منا إلا له مقام معلوم. وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون} الصافات:164 - 166.
فما من ملك إلا له موضع مخصوص فى السموات، ومقام فى العبادة لا يتجاوزه ولا يتعداه. كما أنهم يصطفون فيسبحون الرب ويقدسونه وينزهونه، فهم عبيد له، فقراء إليه، خاضعون له.
وفى الملائكة ثلاثة رؤساء مقربين أكثر من سواهم، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قال تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} البقرة:98. وفى الحديث: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون:
اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم) (رواه مسلم).
وهؤلاء موكلون بالحياة: فميكائيل موكل بالقطر الذى به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ فى الصور الذى به حياة الخلق بعد مماته، أما جبريل عليه السلام فهو موكل بالوحى الذى به حياة القلوب والأرواح: {نزل به الروح الأمين} الشعراء:193. وسمى جبريل روحا، لأنه حامل الوحى الذى به حياة القلوب، إلى الرسل من البشر (11) وهو كذلك أمين حق أمين.
وجاء فى وصفه أيضا: {إنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثم أمين} التكوير:19 - 21.
وقد دل القرآن والسنة، على أصناف الملائكة، وأنهم موكلون بالسموات والأرض: من جبال وسحاب ومطر: {فالمدبرات أمرا} النازعات:5، وقد ظن الكفار أن النجوم هى التى تقوم بهذا التدبير.
والملائكة أعظم جنود الله تعالى، وفيهم طوائف وفرق مثل: المرسلات والعاصفات والناشرت والفارقات والملقيات ذكرا (انظر سورة المرسلات 1 - 4) والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات والصافات والزاجرات والتاليت ذكرا (انظر سورة الصافات 1 - 3).
وكل من هؤلاء له مقام معلوم لايتخطاه، وعمل قد أمربه، لا يقصر عنه ولا يتعداه، وهم رسل الله فى خلقه وأمره، وسفراء بينه وبين عباده، وهم لكثرتهم يدخل البيت المعمور منهم كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه. والله عز وجل يكرمهم، ويقرن اسمه باسمهم، وصلاته بصلاتهم، ويضيفهم إليه فى مواضع التشريف، ويصفهم بالطهارة والإخلاص: {هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} الأحزاب:43.
والملائكة موكلون بكتابة أعمال العباد وأقوالهم، بل نياتهم، لأنها فعل القلوب فدخلت فى عموم {يعلمون ما تفعلون} الانفطار:12، ومما يشهد لذلك حديث الشيخين وأحمد والترمذى: (إذا هم بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها عليه سيئة. وإذا هم عبدى بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرة).
ولا يمر سلوك للإنسان دون أن يسجله الملاثكة عليهم السلام: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ق:18.
وهم يسجلون ذلك فى سجل لكل فرد، ثم تعرض يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} الإسراء:13 - 14.
بل إن الملائكة يشهدون على الإنسان يوم العرض بما شاهدوه منه من خيرأو شر: {ونفخ فى الصورذلك يوم الوعيد. وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} ق:20 - 22.
وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون فى صلاة الصبح وصلاة العصر. فيصعد الذين كانوا فيكم فيسألهم - والله أعلم بهم - كيف تركتم عبادى؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وفارقناهم وهم يصلون).
والمرء بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلا: حافظان: واحد من أمامه، والآخر من ورائه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وكاتبان: صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات (12).
ومما يقوم به الملائكة الكرام التسبيح والخضوع التام لله تعالى (الأعراف 206، الزمر75)، وحمل العرش (غافر 7)، والتسليم على أهل الجنة (الرعد 23 - 24)، وتعذيب أهل النار (المدثر 27 - 31)، وحفظ الإنسان من بعض الحوادث ومن أذى الجن والشياطين، وطلب المغفرة للتائبين (غافر 7 - 9) وتأمينهم مع المصلين: (فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفرله ما تقدم من ذنبه) (رواه أحمد وأبو داود والنسائى).
ويحضرون صلاة العصر والفجر {إن قرآن الفجر كان مشهود} الإسراء:78، أى صلاة الفجر. وينزلون عند قراءة القرآن ويستمعون إليه، كما حدث مع أسيد بن حضير، حين كان يقرأ بالليل فرأى مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت فى الجو، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (تلك الملائكة كانت تسمع لك) رواه الشيخان، واللفظ لمسلم.
كما أنهم يحضرون مجالس الذكر، كما فى الحديث: (إن لله ملائكة يطوفون فى الطريق يلتمسون أهل الذكر) (رواه البخارى بهذا اللفظ ورواه مسلم بلفظ آخر).
وهم أيضا يصلون على المؤمنين، ولاسيما أهل العلم منهم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير) (رواه الترمذى، وقال حديث حسن). وفى حديث آخر: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع). أبو داود والترمذى.
وقد تحمل الملائكة بشرى إلى شخص صاحب موقف طيب. فقد روى مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (زار رجل أخا له فى قرية أخرى، قال: أريد أخا لى فى هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها -أى تصلحها - قال: لا، غير أنى أحببته فى الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك، كما أحببته فيه).
ومن تكريم الله عز وجل لملائكته أن يعلمهم بمن يحبه وبمن يبغضه، كما فى الحديث: (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إنى أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادى فى السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض. وإذا أبغض عبدا ... ). رواه مسلم ومما يقوم به الملائكة من وظائف سامية، أنهم يثبتون المؤمنين بما يلقونه فى قلوبهم من التأييد أثناء الجهاد: {إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا} الأنفال:12.
والملائكة أيضا موكلون بقبض الأرواح بقضاء الله وقدره، فيتولى ملك الموت قبضها واستخراجها، ثم يتولاها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، وهم أعوانه: {قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} السجدة:11.
وتقوم الملائكة بتحية الطيبين عند قبض أرواحهم، ويبشرونهم بالجنة: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين، يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} النحل:32.
أ. د/عبد اللطيف محمد العبد