54 - الملاحظة

لغة: لاحظه ملاحظة ولحاظا: راعاه (1).

وراقبه. ولاحظ عليه كذا: أخذه عليه والملاحظة: النظر بشق العين الذى يلى الصدغ. وتعنى كذلك ما يؤخذ على الرأى أو الكتاب من هنات.

كما أنها تعنى فى مناهج البحث العلمى: مشاهدة يقظة للظواهر كما هى، دون تغيير أو تبديل.

والملحوظة: كلمة توضع على هامش الكتاب أو غيره عنوانا إلى ما ينبه عليه من خطأ أوسهو أو نقص (2).

هذا ولم ترد كلمة "ملاحظة" ولا مادتها فى القرآن الكريم.

واصطلاحا: هى أن يوجه الباحث عقله وحواسه، إلى طائفة خاصة من الظواهر، لا لمجرد مشاهدتها بل معرفة صفاتها وخواصها، سواء أكانت شديدة الظهور أو الخفاء (3).

ويفهم من ذلك أن الملاحظة هى المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما، مع الاستعانة بأساليب البحث التى تتلاءم مع تلك الظاهرة.

والملاحظة تطلق أيضا على الحقائق المشاهدة التى يقررها الباحث فى فرع خاص من فروع المعرفة، كأن يقال: ملاحظات طبية، لكن يمكن أن يقال "طب إكلينيكى" وهو الذى يقوم على مجرد الملاحظة، فى مقابل "طب تجريبى" الذى يقوم على التجريب.

والملاحظة هى إحدى صور المعرفة التجريبية، التى تستلزم اليقظة والانتباه.

وهى ليست مجرد عملية حسية فى التفكير بل هى تتضمن تدخلا إيجابيا من جانب العقل، الذى يقوم بنصيب كبير فى إدراك الصلات الدقيقة بين الظواهر، أو ما يسمى "الحدس بالقانون" ولابد فى كل ملاحظة من التفريق بين الذات المدركة والشىء المدرك. فلولا ذلك لما أمكن الانتقال من الذاتى إلى الموضوعى (4)

والملاحظة نوعان:

أ- ملاحظة فجّة: وهى كل ملاحظة سريعة يقوم بها الإنسان فى ظروف الحياة العادية، مثل ملاحظة الرجل العامى لأطوار القمر هلالا ثم بدرا وغير ذلك. لكن ملاحظته هذه لا تعين له السبب فى اختلاف أوجه القمر، وهى لا تهدف إلى تحقيق غاية نظرية أو الكشف عن حقيقة علمية، لكن بعض الملاحظات السريعة قد تكون سببا فى الكشف عن بعض القوانين الطبيعية الكبرى، مثل كشف نيوتن عن قانون الجاذبية، بعد أن شاهد تفاحة تسقط من شجرتها.

ب - ملاحظة علمية: وهى كل ملاحظة منهجية يقوم بها الباحث فى صبر وأناة، للكشف عن تفاصيل الظواهر وعن العلاقات الخفية التى توجد بين عناصرها، أو بينها وبين ظواهر أخرى.

وهنا يمكن التفريق بين نوعين من الملاحظة العلمية:

1 - ملاحظة الكيف: وتستخدم فى العلوم التى تعمل على تصنيف الأشياء إلى أجناس أو أنواع، كعلوم الحيوان والنبات، بواسطة تحديد الصفات النوعية.

2 - ملاحظة الكم: وهى معرفة العلاقات بين العناصر التى تتألف منها ظاهرة معينة، ومنها الملاحظات الفلكية والكيميائية والفيزيائية. وهى ترمى إلى التعبيرعن العلاقات التى تكشف عنها بنسب عددية، محاولة الوصول إلى مرحلة الدقة التى وصلت إليها العلوم الرياضية (5)

والملاحظة فى مقابل التجريب صلى الله عليه وسلمXPصلى الله عليه وسلمRI-Mصلى الله عليه وسلمNTصلى الله عليه وسلمTION الذى هو منهج علمى يقوم على الملاحظة والتصنيف ووضع الفروض والتحقق من صحتها (6).

لكن الملاحظة والتجربة تعبران عن مرحلتين متداخلتين من الناحية العلمية (7).

وكثيرا ما تكون التجربة مجرد ملاحظة لتوليد فكرة جديدة فى ذهن العالم، لا لاختبار فكرة سابقة موجودة لديه (8).

ويمكن الجمع بين الملاحظة والتجربة بشرطين:

1 - الموضوعية: بمعنى الدقة التامة مع التجرد من العاطفة.

2 - تحقيق بعض الصفات العقلية: كأن يتسم الباحث ملاحظا أم مجربا بروع النقد والتمحيص والفطنة والحذر وعدم التسرع فى التفسير والتأويل (9).

ولا ينبغى أن يغيب عن الباحث ملاحظا أو مجربا أن البحث عن السبب شىء هام جدا، مع التأكيد على أن المسبب هو الثمرة المنشودة، فتسخين الحديد مثلا سبب، لكن تشكيله هو المسبب وهو الغاية (10).

وهناك ما يسمى "الملاحظة المنجدة" وهي التى يستعين بها العالم على اختبار فكرته، مثلما يستعين بالتجربة تماما.

وأشيرا فإن هناك "الملاحظة فى علم الأخلاق" ويقصد بها المراقبة لسلوك ما، لمعرفة مدى مطابقته للقواعد المرسومة (11).

أ. د/عبد اللطيف محمد العبد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015