لغة: اسم من قَدَرت على الشىء أقدر- من باب ضرب- قويت عليه وتمكنت منه (1). والقدرة: صفة.
واصطلاحاً: هى الصفة التى تمكن الحى من الفعل وتركه بالإرادة (2). وقال الراغب: القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فَعْلِ شىء ما، وإذا وصف الله تعالى بها ففى نفى العجز عنه، ومحال أن يوصف غير الله تعالى بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظاً (3). فالقدرة صفة لله تعالى، إلا أن المعتزلة حرَّفت المعنى المفهوم من قوله تعالى:} والله على كل شىء قدير {(البقرة 284) فقالوا: إنه قادر على كل ما هو مقدور له، وأما نفس أفعال العباد، فلا يقدر عليها. وتنازعوا: هل يقدر على مثلها أم لا؟!
أما أهل السنة: فعندهم أن الله على كل شىء قدير، وكل ممكن فهو مندرج فى هذا، وأما المحال لذاته، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، وهذا الأصل هو الإيمان بربوبيته العامة التامة. فإنه لا يؤمن بأنه رب كل شىء إلا من آمن أنه قادر على تلك - الأشياء (4).
القدرة شرط التكليف: يقول الأصوليون: جواز التكليف مبنى على القدرة التى يوجد بها الفعل المأمور به، وهذا شرط فى أداء كل أمر، والأصل فى ذلك قوله تعالى:} لا يكلف الله نفس إلا وسعها {(البقرة 286). أى: طاقتها وقدرتها على أداء الأفعال. وبهذا فقد أُسْقِطَ التكليف عمن لا يقدر على الفعل ولا يطيقه، لأن الوسع هو دون الطاقة فلا يلزم استنفاد الجهد فى آداء الفرض مثل الشيخ الكبير الذى يشق عليه الصوم، وقد يؤدى به إلى ضرر يلحقه فى جسمه وإن لم يخش الموت بفعله.
وقد قسم الحنفية القدرة إلى قدرة ممكنة، وهى مفسرة بسلامة الآلات وصحة الأسباب، وإلى قدرة ميسرة، وهى التى يقدر بها الإنسان على الفعل مع يسر (5).
ما تتحقق به القدرة:
يختلف ما تتحقق به القدرة باختلاف التصرفات، سواء أكان ذلك فى العبادات أم فى المعاملات. فمقياس القدرة فى العبادات تقع فيما يلى:
1 - القدرة على الطهارة المائية: ذهب الفقهاء إلى أن الطهارة بالماء للوضوء أو الغسل تتحقق بما يأتى:
(أ) وجود الماء الكافى للطهارة والفائض عن الحاجة الضرورية وذلك لقوله تعالى:} فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيِّباً {(النساء43).
(ب) إمكان استعمال الماء بنفسه على وجه لا يضره أو استعماله بمساعد ولو بأجر كالعاجز إذا وجد من يوضئه بأجرة فيعتبر قادراً بقدرة الغير. ولذلك إذا لم يتحقق وجود الماء أو المستأجر فينتقل إلى التيمم (6).
2 - القدرة على أداء أركان الصلاة: ذهب الفقهاء إلى أنه تتحقق القدرة على أداء الصلاة بسلامة أعضاء البدن التى يتمكن بها المصلى من الإتيان بالأركان على الوجه الأكمل. وإلا فيعتبر قادراً بما يمكنه الإتيان به ولو بإيماءة برأسه، وذلك لأن الصلاة من العبادات التى لا تسقط عن المكلف إلا لمانع شرعى، كالحيض والجنون المطبق (7).
3 - القدرة على أداء الزكاة: وقد ذهب مالك والشافعى إلى أن القدرة على الأداء شرط لوجوب أداء الزكاة على الفور، وتتحقق هذه القدرة بحضور المال وحضور المستحقين. وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن القدرة على الأداء ليست شرطا لوجوبها، لأن الزكاة عبادة مالية فيثبت وجوبها فى الذمة مع عدم إمكان الأداء، كثبوت الدين فى ذمة المفلس.
4 - القدرة على أداء الحج: اتفق الفقهاء على أن من شروط وجوب الحج الاستطاعة لقوله تعالى:} لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا {(آل عمران 97). والاستطاعة: أى القدرة، وتتحقق بما يلى:
(أ) وجود الزاد والراحلة وهذا يحصل بوجود المال.
(ب) سلامة البدن من الأمراض والعاهات التى تعوق عن الحج، ويعتبر العاجز بنفسه قادراً بقدرة غيره.
(جـ) أمن الطريق، وذلك بأن يكون الإنسان آمنا على نفسه وماله.
(د) وجود محرم بالنسبة للمرأة أو رفقة مأمونة كما يقول بعض الفقهاء.
أما القدرة فى المعاملات فتقع فيما يلى:
1 - القدرة على تسليم المبيع: فذهب الفقهاء إلى أن القدرة على تسليم المبيع شرط من شروط صحة البيع ويتحقق ذلك بأن يكون الإنسان مالكا له متمكناً من التصرف فيه قادراً على تسليمه للمشترى.
2 - القدرة على استيفاء المنفعة فى الإجارة: ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط فى المنفعة لصحة الإجارة القدرة على استيفائها حقيقة أو شرعاً. وذلك بالتمكن فلا تصح إجارة الدابة الفارَّة.
3 - القدرة على أداء الدين: ذهب الفقهاء إلى وجوب أداء الدين عند القدرة على الأداء لقوله تعالى:
} فليؤد الذى أؤتمن أمانته وليتق الله ربه {(البقرة 283). فإذا كان الدين حالا فإنه يجب أداؤه على الفور عند طلبه، أما إذا كان دينا مؤجلاً، فلا يجب أداؤه قبل حلول الأجل.
4 - القدرة على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: فالقدرة أصل تكون فى النفس، وتكون فى البدن، إن احتاج إلى النهى عن المنكر بيده.
5 - القدرة على المحارب: والمحاربون المفسدون فى الأرض جزاؤهم فى قوله تعالى:} إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض {(المائدة 33). وهذه العقوبة ينفذها الحاكم إذا قدر عليهم، وتمكن منهم قبل أن يتوبوا ويأتوا معلنين توبتهم.
6 - القدرة على دفع الضرر عن الغير: فإذا أمكن إنقاذ شخص من الهلاك من جوع ونحوه؛ فإذا امتنع الإنسان عن بذل الطعام الزائد عن حاجته، أو امتنع عن إنقاذ الغريق ونحوه، فإنه يكون آثماً، وقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: " أيما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة
رسوله " (8).
(هيئة التحرير)