لغة: قدم القوم يقدمهم قدما وقدوما: سبقهم، قدم الشىء قدما وقدامة: مضى على وجوده زمن طويل فهو قديم. والقدم: اسم من القديم، يقال وكان ذلك قدما "، والقدم من أسماء الزمان. ومن أسماء الله تعالى المقدم: ومعناه هو الذى يقدم الأشياء ويضعها فى مواضعها فمن استحق التقديم قدمه. والقديم على الإطلاق الله عز وجل، والقدم: نقيض الحدوث. القدم والقدمة: السابقة فى الأمر، ففى التنزيل:} وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم {(يونس 2). أى سابق خير وأثرا حسنا. والقديم: ما توالت على وجوده الأزمنة ومنه قوله:} حتى عاد كالعرجون القديم {(يس 39).
واصطلاحاً: عند المتكلمين: يطلق على عدم أولية الوجود، والقديم: ما لا أول لوجوده أى أن وجوده أزلى لا بداية له، ولم يسبقه عدم، والقدم بهذا المعنى هو الثابت لله عز وجل.
والقدم من الصفات السلبية التى تسلب أى تنفى أى نقص لا يليق بذاته المقدسة، وهذه الصفات هى: "الوحدانية- القدم- البقاء- المخالفة للحوادث- القيام بالنفس". والقدم يعنى أنه سبحانه وتعالى لا أول لوجوده، وأن وجوده سبحانه ليس مسبوقا بشىء، بل ليس مسبوقا بالعدم ذاته، لأنه لو كان مسبوقا بعدم لكانت هناك بداية زمانية لوجوده، لكنه سبحانه قبل الزمان وما الزمان إلا بعض فعله وخلقه.
والقدم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
(أ) قدم زمانى؛ وهو وجود الشيء فى الزمن الممتد فى الأزل اللانهائى، وعلى توالى أزمنة وجود الشىء، فالقديم هو ما توالت على وجوده الأزمنة، وكر عليه الليل والنهار، ومنه قوله:} كالعرجون القديم {(يس 39). وبهذا الاعتبار يقال أساس قديم وبناء قديم.
وإطلاق القدم بهذا المعنى مستحيل فى حق الله تعالى لأن وجوده تعالى ليس زمانيا، ووجوده لم يتغير بالزمان كالحوادث. والزمان من صفات المحدث، فلو كان وجوده تعالى زمانيا لكان حادثا ضرورة.
(ب) قدم إضافى. أى قدم الشىء بالنسبة إلى شىء حادث آخر كقدم الأب بالنسبة للابن.
(جـ) قدم ذاتى، وهو عدم الاحتياج إلى الغير فى الوجود أو عدم افتتاح الوجود أو عدم الأولية للوجود وهو المراد هنا وهو الذى يصح وصف الله تعالى به، وبذلك يكون معنى القدم: عدم أولية الوجود، فوجوده سبحانه لا أول له أى لم يسبق وجوده بعدم، فالأول هو قبل كل شىء بلا بداية، والآخر هو بعد كل شىء بلا نهاية.
وقد ثبت بالدليل أن العالم كله، أرضه وما عليها، وسماءه وما فيها حادث ومخلوق وأنه محتاج إلى مُحْدِث وخالق، وخالق هذا العالم ومحدثه هو الله عز وجل.
وإذا كان ذلك كذلك فالله تعالى يجب أن يكون قديما، وقد ثبت ذلك بالعقل وبالنقل. فمن الأدلة النقلية:
1 - قوله تعالى:} هو الأول والآخر {(الحديد 3). فهو تعالى قبل- كل الأشياء بلا ابتداء، لأنه سبب كل شىء، وهو تعالى آخر كل شىء بلا انتهاء.
2 - وفى الحديث "كان الله ولا شىء معه " أى كان الله تعالى فى الأزل ولا شىء معه فى الأزل، إنه سبحانه وتعالى هو القديم ولا قديم غيره.
3 - روى البخارى فى صحيحه "كان الله ولم يكن شىء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض، وكتب فى الذكر كل شىء".
4 - وعن أبى هريرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: اللهم رب السموات والأرض .. اللهم أنت الأول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء".
ومن الأدلة العقلية:
1 - ذلك أن الله تعالى لو لم يكن قديما بذاته لكان لوجوده بداية فيكون حادثا وموجودا من عدم، ولو كان حادثا لاحتاج إلى محدث موجد. هذا المحدث يحتاج هو الآخر إلى محدث. وهكذا حتى ينتهى العقل إلى وجود قديم أزلى هو الذى أحدث الكائنات وهو الله.
2 - أنه لو لم يكن قديما لكان حادثا، إذ لا واسطة بين القدم والحدوث فى حق كل موجود، لكن كونه تعالى حادثا محال. إذ لو كان حادثا لاحتاج إلى محدث، واحتياجه إلى محدث باطل، لأنه يؤدى إلى الدور والدور والتسلسل باطل. وإذن فهو تعالى لا يحتاج إلى محدث، وليس حادثا، وإنما هو قديم أزلى.
والدور هو توقف الشىء على ما يتوقف عليه الشىء وهو باطل بالبداهة لأنه يستلزم تقدم الشىء على نفسه بالوجود وهو محال.
3 - والعلم بثبوت هذين الوصفين: قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، مستقر فى الفطرة، فإن الموجودات لابد أن تنتهى إلى واجب الوجود لذاته، قطعا للتسلسل فإننا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبة الوجود بنفسها فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم، وهذه كانت معدومة ثم وجدت فعدمها ينفى وجودها، ووجودها ينفى امتناعها؛ وما كان قابلا للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه} أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون {(الطور 35) أى أحدثوا من غير محدث أم أحدثوا أنفسهم؟ ومعلوم أن الشىء المحدث لا يوجد نفسه، فالممكن الذى ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجودا بنفسه، بل إن حصل ما يوجده، وإلا كان معدوما، وكل ما أمكن وجوده بدلا من عدمه، وعدمه بدلا من وجوده، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له.
وقد أدخل المتكلمون فى أسماء الله تعالى القديم، وليس هو من الأسماء الحسنى فإن القديم فى لغة العرب التى نزل بها القرآن هو المتقدم على غيره فيقال: هو قديم للعتيق، وهو حديث للجديد، ولا يقال للعرجون "القديم " القديم حتى يبقى إلى حين وجود العرجون الثانى، فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم قال تعالى:} وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم {(الأحقاف11) أى متقدم فى الزمان. وأما إدخال القديم فى أسماء الله تعالى، فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف منهم ابن حزم. ولا ريب أنه كان مستعملا فى نفس التقدم فإن ما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره، ولكن أسماء الله تعالى هى الأسماء الحسنى التى تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم فى اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى، وجاء الشرع باسمه الأول وهو أحسن من القديم. والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة.
(هيئة التحرير)