42 - العواصم الإسلامية
(الحواضر)
اصطلاحا: ظهر هذا المصطلح عندما بدأت حركة الفتوحات الإسلامية الأولى فى شمال جزيرة العرب وغربها، وأحس الفاتحون بحاجتهم إلى الاستقرار فى الأقاليم المفتوحة، فأسسَّوا مدنا جديدة أشبه بالمعسكرات الحربية، اتخذوها عواصم لهذه الأقاليم وأطلقوا عليها " الأمصار"، فكانت الكوفة والبصرة هما أول الأمصار الإسلامية.
وأسست هذه الأمصار، بوجه عام، فى مواضع بعيدة عن عواصم الحكم القديم، فكانت البصرة والكوفة فى العراق بعيدة عن مدائن كسرى، والفسطاط والقيروان فى إفريقيا بعيدة عن الأسكندرية وقرطاجنة، كما أنها كانت قبل كل شىء ذات صفة حربية خالصة، قصد بها أن تكون معسكرات للجند الفاتحين ونقاط ارتكاز استراتيجية ومعقلا يتحصنون به إذا اضطروا للجوء إليها.
وإذا كان الفاتحون قد اضطروا إلى إنشاء مدن جديدة (أمصار) فى جنوب العراق ومصر وإفريقية، فإنهم احتلوا المدن الرومانية التى خلاها البيزنطيون فى سوريا وفلسطين وطوروها وطوعوا منشآتها لتخدم وظائف الإسلام الرئيسية مثل مدينة دمشق عاصمة الأمويين.
ولم يمض جِيلان حتى تحولّت هذه الأمصار إلى مراكز للنشاط الفكرى والحضرى، وأصبحت مراكز جذب للمسلمين الجدد بعد أن استقربها عدد من كبار الصحابة والتابعين.
ومع قيام الخلافة العباسية فى أواسط القرن الثانى الهجرى والخلافة الفاطمية فى مطلع القرن الرابع الهجرى، استعيض عن المعسكرات الحربية بإنشاء مدن ملكية من نمط آخر، محاطة بالأسوار معنّى بمنشآتها يغلب عليها طابع الفخامة اتخذت مقرا للخلفاء، ومن ينوب عنهم (بغداد وسامرا والقاهرة).
ولا تعيننا التواريخ العربية القديمة على رسم صورة صادقة لما كانت عليه المدن الإسلامية فى أول إنشائها ولكن من خلال ما وصل إلينا من معلومات فقد كانت المدينة الإسلامية تجمعات محلية لها كيانها وشخصيتها ومقوماتها المتميزة التى تعطيها وحدتها وتكاملها وطابعها الخاص، وتظهر هذه الشخصية فى كل المدن التى أسست فى ظل الإسلام وتكشف عن وجود روح عامة ثابتة ومستمرة خلال التاريخ الإسلامى كله لا يخطئها المرء فى تنقله من بغداد إلى حلب إلى دمشق وصنعاء والقاهرة وفاس.
فالحياة الإجتماعية فى هذه المدن هى نتاج لتاريخ طويل تمتزج فيه عناصر الإسلام والعروبة بالعناصر المحلية القومية المتمثلة فى العادات والتقاليد المتوارثة، وتميزت المدن الإسلامية بمجموعة من الأبنية والمنشآت، ذات صبغة دينية واجتماعية، أضفت على المدينة شخصيتها بحيث توصف بأنها إسلامية هى: المسجد- دار الإمارة- الأسواق- الحمامات- المصَلّى- المقابر.
فقد كان الجامع والسوق، وفى بعض الأحيان دار الإمارة، هى المركز الجاذب لكل المجموعة السكنية، وكانت دار الإمارة عادة تفتح على المسجد الجامع ليؤم الأمير أو الوالى جموع المصلين. وأحاطت الأسواق بالجامع وجعل لكل طائفة أو صنعة سوق خاص بها. وحول هذا المركز اختطت القبائل والجماعات خططها.
ودائما ما كان خارج المدينة رحبة مكشوفة يجتمع فيها المسلمون للصلاة فى العراء يومى عيد الفطر وعيد الأضحى تعرف بـ "مصلى العيدين".
أما "المقابر، فكانت تقام خارج أسوار المدينة، والأغلب أن تكون بجوار أحد أبوابها.
هذا من الناحية التخطيطية، أما من الناحية التنظيمية والوظيفية فقد نشأت بظهور الإسلام مجموعات من الوظائف ميزت المدينة الإسلامية، حقيقة أن بعضها كان معروفا فى المدن الرومانية، إلا أن تعاليم الإسلام أضفت عليها ثوبا جديدا مثل وظائف الوالى والقاضى وصاحب السوق أو المحتسب وصاحب الشرطة وصاحب المعونة وصاحب العَسَس أو متولى الطوف ليلا.
أما الصورة النموذجية للمدينة الإسلامية فى عصر ازدهارها فكانت تحتوى على:
1ـ حى ملكى أو مدينة ملكية كان يستعاض عنها أحيانا ببناء قلعة تقوم على موضع له طبيعة دفاعية. ويضم هذا الحى أو المدينة الملكية قصور الأفراد والإدارات الحكومية والدواوين وأماكن لسكنى الحرس.
2 - مركز للمدينة يضم المسجد الجامع والمساجد الكبرى والمد ارس الدينية والأسواق المركزية وكثيرا ما كان توزيع الأسواق يتحدد بالنسبة للجامع والمدارس حسب الدور الدينى للسلع التى كانت تباع فيها وموقف الشريعة من تلك السلع.
3 - وتأتى بعد ذلك منطقة الأحياء السكنية التى كانت تعكس الروابط الدينية والحرفية إلى جانب الاستقلال النسبى لكل حي من هذه الأحياء، حيث يميل أبناء الدين الواحد والحرفة الواحدة إلى التجمع معا.
4 - ثم تأتى الضواحى أو الأحياء الخارجية التى كان يقيم بها الوافدون الجدد، وحيث يصرح بممارسة بعض الأعمال والقيام ببعض الصناعات التى قد تلوث جو المدينة.
5 - وأخيرا تأتى أضرحة الأولياء والمدافن التى كانت تقام فى الأغلب وراء أسوار المدينة.
وبعد القرن الخامس الهجرى أصبحت المدارس ودور الحديث ودور القرآن، ثم الأسبلة والكتاتيب إضافة إلى المؤسسات الاقتصادية مثل الوكالات والفنادق والخانات، والمؤسسات ذات الصفة الاجتماعية مثل البيمارستانات وأمثالها هى أحد مميزات المدينة الإسلامية.
أ. د/ أيمن فؤاد سيد