41 - العهد

لغة: الوصية يقال: عهد إليه إذا أوصاه، والعهد: الأمان والموثق والذمة، ومنه قيل للحربى يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد (1).

واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك.

والوفاء بالعهد واجب شرعا، والأدلة على ذلك كثيرة.

فمن الكتاب، قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان

بعد توكيدها} النحل:91، وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} الإسراء:34، وقد وصف الله تعالى: الذين ينقضون العهد بالخسران، فقال تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه يقطعون ما أمرالله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون} البقرة:27، وأما السنة: فقد نفى النبى صلى الله عليه وسلم الدين عمن لا عهد له، فقال عليه السلام: (لا دين لمن لا عهد له) أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك (2) أضف إلى ذلك التزام الرسول صلى الله عليه وسلم بسائر عهوده وعدم مخالفتها، ومن ذلك وفاؤه بالوثيقة التى عقدها لليهود عندما هاجر إلى المدينة، والتزامه بما اتفق عليه مع المشركين فى صلح الحديبية.

وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقض العهد بالنفاق، ولا شك أن النفاق محرم، فيكون ما أدى إليه، وهو نقض العهد نفاقا محرما فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) (3) فمن الأدلة السابقة يتضح أنه يجب على المؤمن الوفاء بالعهد، سواء كان هذا العهد بين المسلمين أنفسهم، أو كان بين المسلمين وغيرهم ممن عقدوا لهم العهد والأمان.

ويجب على المسلم إتمام مدة العهد إلى معاهده، فيمتنع بذلك عن ظلمه امتثالا لقوله تعالى: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} التوبة:4، واتباعا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ظلم المعاهد بقوله: (من ظلم معاهدا أو انتقصه أوكلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) (4).

فإذا خالف المسلم ذلك فإنه يكون ناقضا للعهد، وهو من الغدر، وقد شهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغادر، فيما رواه عنه عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما حيث قال عليه السلام: (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به) 0 (5).

ومع ذلك إذا غدر المعاهد ونقض عهده فللمسلم أن ينبذ العهد، أى ينقض العهد جهرا لا سرا، ويعلم المعاهد بنقض العهد، ثم بعد ذلك يجوز للمسلم أن يخالف العهد وأن يوقع بالمعاهد.

والدليل على ذلك قوله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} الأنفال:58.

وما رواه عمر بن عبسة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدا ولا يشدنه حتى يمضى أمده أو ينبذ إليهم على سواء) (6).

ومن صور غدر المعاهدين ونقضهم للعهد: قتالهم للمسلمين، أو امتناعهم عن إعطاء الجزية، ومن إجراء حكم الإسلام عليهم، أو من دل أهل الحرب على عورة المسلمين -تجسس عليهم- أو فتن مسلما فى دينه (7).

.... إلخ.

وقد اتفق الفقهاء على أن الحلف بعهد الله يعتبر يمينا، يترتب على الحلف به الآثار التى تترتب على كل يمين من وجوب البر بها، أو الكفارة الواجبة عند الحنث إلا أن الشافعية اشترطوا لاعتبار هذه الصيغة يمينا أن ينوى الحالف بها اليمين، لاستحقاق الله للعهد الذى أخذه على بنى آدم (8).

ويعتبر من صور الوفاء بالعهد، ما يعهد به الحاكم إلى من بعده، كما عهد أبو بكر إلى عمر، وعهد عمر إلى أهل الشورى رضى الله عنهم (9).

أ. د/على مرعى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015