اصطلاحا: دليل أساسى من أدلة إثبات الألوهية بوجه خاص، والدين بوجه عام، يسميه الفلاسفة الغربيون دليل العلة الغائية، والفلاسفة المسلمون يسمونه دليل الحكمة ودليل النظام. وللقرآن الكريم عناية خاصة بلفت أنظار العقول إليه، وبعضهم يسميه: "دليل القرآن "، إذ كثير من آياته الكريمات تدور حوله ويعنى الدليل الغائى أن النظر فى تركيب العالم يقتضى تحقيق حكمة أو غاية يعمل من أجلها الكون، كما يقتضى إثبات صانع حكيم مدبر لهذا النظام ويعد الفيلسوف الألمانى "كانت " أوضح الأدلة وأقواها فى البرهنة على وجود الله تعالى. والغائية واحدة من العلل الأربع المعروفة فى الفكر الفلسفى، والمأخوذة من النظر فى علاقة "الاحتياج " بين الشيء وغيره، وهى علاقة ضرورية لا تحتاج إلى استدلال: فالمحتاج إليه نسميه علة، والمحتاج يسمى: معلولا، والعلة قد تكون جزءا من المعلول كالخشب بالنسبة للكرسى لن- مثلا-، وتسمى: علة مادية؛ وكالصورة التى يأخذها شكل الكرسى، وتسمى: علة صورية؛ وقد تكون العلة أمرا خارجا عن ذات المعلول، فإن احتاج إليها المعلول فى وجوده سميت: علة فاعلة؛ كالنجار فى مثالنا هذا؛ وإن احتاج إليها كغاية صنع من أجلها سميت: علة غائية؛ وهى تسبق المعلول ذهنا، وتعقبه وجودا .. وقد عرف ابن سينا العلة الغائية بأنها: "التى لأجلها الشىء، أو الفعل، وهى علة بماهيتها لعلية العلة الفاعلية، ومعلولة لها فى الوجود" ومعنى التعريف باختصار: أن الغاية- مطلق غاية- علة باعثة للصانع على صنع الشىء، فهى علة لعلية الفاعل، وهى- فى الوقت نفسه- معلولة لعلية الفاعل باعتبار تشخصها فى غاية معينة كالجلوس، دون النوم، مثلا. ويمثل القول بالغائية المذهب العقلى الصحيح فى تاريخ الفلسفة والتفلسف؛ أولا: لأن التأمل فى ظواهر الكون المحسوسة كاشف عما وراءها من نظام وعناية بالغة، وقاصد بأن فاعلها قاصد- حتما- إلى غاية، وثانيا: لأنه لولا اعتبار الغاية فى الأفعال لاستوى الفعل وعدم الفعل ولما أمكن تصور لماذا يفعل ولماذا لا يفعل، ولأصبحت الأفعال محض صدف واتفاقات، وأصحاب هذا الاتجاه- منذ أرسطو وحتى العصر الحديث- لا يثبتون "الغايات " عللا فى الأفعال فقط بل كثيرا ما يرونها عللا- أحيانا- فى وجود أجزاء من الفاعل، مثل: "الطيران "، فهو وإن كان غاية لأجل وجود الجناحين فى الطائر، فهو- فى الوقت نفسه- علة فى وجود الجناحين؛ إذ لولا الطيران لما كانت حاجة إليهما. والشيء نفسه يقال بالنسبة للعين والرؤية، والأذن وا لسمع، وما إليهما .. والقائلون بالغائية ينفون نفيا قاطعا أى احتمال للصدفة أو العبث أو الاتفاق فى حوادث هذا الكون من الذرة إلى المجرة، ويفردون فى مطولاتهم الفلسفية مقالات بعينها يبطلون فيها القول بالاتفاق (1).
ويقابل أصحاب الغاية القائلون بالآلية البحته فى نظام الكون، وهم الفلاسفة الحسيون بدءا من أنبادقليس وديمقريطس ووصولا إلى الفلسفات المادية والوضعية فى عصرنا هذا "والمحدثون منهم آخذون عن القدماء بدون تغيير، أعنى عن ديمقريطس إمام المذهب المادى، وتابعيه: أبيقور ولوكريس". ويدور فى تراث المتكلمين المسلمين خلاف بين المعتزلة والأشاعرة فى مسألة "الغاية" فى فعل الله تعالى، حيث يذهب المعتزلة إلى أن أفعاله تعالى معللة بالأغراض، ولها غايات، وإلا كانت خالية من الحكمة، وهو عبث مستحيل على الله العليم الحكيم، بينما يذهب الأشاعرة إلى استحالة أن يفعل الله لغرض، وإلا كان الغرض باعثا له على الفعل، فيكون الله محتاجا إليه فى فعله، وهو يستلزم نقص الفاعل واستكماله بغيره، وهذا المعنى يستحيل أن يتصف الله به- ومع أن الأشاعرة يحرصون على تنزيه الأفعال الإلهية من الأغراض، فإنهم فى الوقت نفسه يثبتون الحكمة فى كل فعل إلهى، لكنهم يرفضون تسمية الحكمة غرضا أو باعثا على الفعل، وعندهم أن تقييد الفعل الإلهى بالغرض الباعث نوع من الإيجاب أو الاضطرار، ينافى الإرادة والاختيار فى فعله تعالى. ولابن رشد وابن تيمية وابن القيم وصدر الدين الشيرازى اعتراضات على ما يقوله الأشاعرة فى نفى الغرض. وقد تعقبها شيخ الإسلام مصطفى صبرى، وفندها فى شىء غير قليل من الدقة والعمق.
أ. د/ أحمد محمد الطيب