لغة: عمَّ الشىء عموما: شمل، والعام: الشامل وهو خلاف الخاص، والعامة من الناس: خلاف الخاصة والجمع عوام، كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: يدل بوجه عام على معنى الجمهور الذى يشير فى الكتابات الحديثة إلى معنى الشعب، ومن ثم فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بنظرية المعرفة وبخاصة ما إذا كانت هذه المعرفة بمجالاتها وبأمورها المنوعة هى معرفة إجمالية للكافة والعامة، وما قد يترادف مع هذا من مصطلحات أخرى مثل الرعية، والسواد الأعظم، والأهالى، والعباد، والمؤمنين، أم أن بها من الأمور الدقيقة والتفصيلية ما يعتبر وقفا على الخاصة.
وهو يتردد كثيرا ضمن المصطلحات الأساسية فى نظرية الحكم الإسلامية سواء ما تعلق منها بإطار الحكم فى عموميته، أو ما تعلق بطبيعة المادة البشرية للحكم أى المحكومين.
ولا جدال فى أن باب الاجتهاد مفتوح أمام كل القادرين، ولكن هناك من يرى أن من الأمور اللازمة لضبط المصالح العامة ما يتصف بالخصوصية، التى تباعد بينها وبين العوام أو العامة، وعلى قمة هذه الأمور نظرية الإمامة الإسلامية، وخاصة ما تعلق بمسألة تمييز الإمام وتنصيبه، حيث يرى البعض أنه فرض على خاصة الأمة، بمعنى أنه ليس ضرويا ولا هو بالشرط اللازم اشتراك العامة واتفاقها، لأنها مهمة المؤهلين لإنجازها.
وربما كان الإمام الغزالى هو صاحب الصوت الأعلى الذى أكد هذا التمييز، فالأمة أو القاعدة الشعبية فى الإسلام تتألف من قوى شعبية هى الأمناء من العلماء، ثم سائر القاعدة من عوام المسلمين، والأولون عليهم واجب الشورى، والمساهمة فى الحكم، والقيام بالدعوة، وإقامة الشريعة والدين، بينما على الباقين واجب النصرة والنصح والطاعة فهو يقول "وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعايشهم ويتركوا العلم للعلماء" كما يقول "اعلم أن لكل صناعة أهلا يعرف قدرها ومن أهدى نفائس صنعه إلى غير أربابها فقد ظلمها" (2).
ومصداق ذلك قوله فى "أنه ليس مهما لجميع المسلمين بل لطائفة منهم مخصوصين ".
ولكن التضامن الإسلامى ينشأ بالأكثر، فضلا عن وحدة الإيمان، بسبب آخر هو فرض الكفاية أى الواجب الذى لا يكلف القيام به أحد بعينه، ولكنه تكليف على المسلمين جميعا.
وبذلك تبدو قضية الإمامة فرض عامة الأمة وواجبها، حتى بلغ الأمر حد القول بانعدام الإمامة ما لم يحصل الإجماع من الأمة على من ينصب إماما، وعلى ما نجد بصفة خاصة لدى أصحاب الطريقة المعروفة فى فقه الخلافة بطريقة العامة.
وأيا ما كان الرأى فإن التضامن الإسلامى خاصة فى ظروف المجتمع المتغير المعاصر إنما يحتاج أشد ما يحتاج إلى تضافر الرأى، والثقافه حول أهداف الأمة وغاياتها، وفى ظنى أن هذا مما يوجب المشاركة فى إبداء الرأى وتمحيصه، وما الشورى ذاتها والتى تعتبر أساس الحكم الصالح إلا فرض كفاية من هذا النوع الأصيل.
أ. د/محمود أبوزيد