23 - الصلح

لغة: اسم من الصلاح وهو التوفيق، وأصلحت بين القوم: أى وفقت قال الراغب: الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس، فهو قطع المنازعة (1).

وشرعا: هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه، فهذا التعريف يشير إلى أنه قد يكون الصلح عن المنازعة بعد وقوعها، كما أنه يكون أيضا عند خوف المنازعة واحتماك وقوعها وقاية منها (2).

والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع.

أما الكتاب: قوله تعالى: {لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} النساء:114، وقوله تعالى: {والصلح خير} النساء:128، فالله تعالى وصفه الصلح بالخيرية، ولا يوصف بها إلا ما كان مشروعا ومأذونا فيه.

وأما السنة: فبما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين) (3) فالحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح.

وأما الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح فى الجملة، وإن كان هناك خلاف فى بعض الصور (4).

أما عن درجة المشروعية: فالأصل أنه مندوب، ومع ذلك فقد يكون واجبا عند تعين مصلحة، وقد يكون حراما أو مكروها عند استلزامه مفسدة يجب درؤها، أو يترجح جانب المفسدة (5).

وللصلح أنواع خمسة:

(أ) الصلح بين أهل العدل وأهل البغى.

(ب) الصلح بين الزوجين عند خوف الشقاق.

(ج) الصلح بين المتخاصمين فى غير مال كالجنايات العمدية.

(د) الصلح بين المسلمين والكفار.

(هـ) الصلح بين المتخاصمين فى الأموال.

وهذا الأخير قد أفرد له الفقهاء بابا فى كتب الفقه (6).

ويجوز للقاضى أن يرد الخصوم إلى الصلح إن طمع فى الصلح منهم، وإلا فلا يردهم، بل ينفذ القضاء فيهم، لأنه لا فائدة فى الرد (7).

وعقد الصلح ليس عقدا مستقلأ بذاته، بل هو متفرع عن غيره، بمعنى أنه تسرى عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها بحسب المضمون، فالصلح عن مال بمال يعتبرفى حكم البيع، والصلح عن مال بمنفعة يعد في حكم الإجارة، والصلح عن نقد بنقد له حكم الصرف وهكذا. ويترتب على ذلك أنه تجرى على الصلح أحكام العقد الذى تشابه معه أواعتبر به، فتراعى فيه شروطه ومتطلباته، وذلك لأن العبرة للمعانى دون الصور (8).

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للصلح أركانا ثلاثة:

1 - الصيغة (الإيجاب والقبول).

2 - والعاقدان.

3 - والمحل (المصالح به والمصالح عنه).

وللصلح أقسام نوجزها فيما يلى، ومن أراد الأستزادة فليرجع إلى التفصيل فى كتب الفقهاء.

فالصلح إما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه، وإما أن يكون بين المدعى والأجنبى المتوسط.

كما ينقسم الصلح بنوعيه إلى ثلاثة أقسام: صلح عن الإقرار، وصلح عن الإنكار، وصلح عن السكوت.

(أ) فالصلح مع إقرار المدعى عليه جائز باتفاق الفقهاء، وهو ضربان: صلح عن الأعيان وصلح عن الديون، والصلح عن الأعيان نوعان: صلح الحطيطة، وصلح المعاوضة والصلح عن الديون نوعان: صلح

إسقاص وإبراء، وصلح معاوضة (9).

(ب) وأما الصلح مع إنكار المدعى عليه فقد اختلف الفقهاء فى جوازه على قولين:

القول الأول: أن الصلح على الإنكار جائز، بشرص أن يعتقد المدعى أن له الحق، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه، فيتصالحان قطعا للخصومة والنزاع.

وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة (10).

والقول الثانى: أن الصلح على الإنكار باطل وبهذا قال الشافعية وابن أبى ليلى (11).

(ج) وأما الصلح مع سكوت المدعى عليه، كما إذا ادعى شخص على آخر شيئا، فسكت المدعى عليه دون أن ينكر أو يقر، ثم صالح عنه وهذا النوع اعتبره الفقهاء فى حكم الصلح عن الإنكار، وبالتالى ففيه القولان السابقان (12).

8 - وقد بين الفقهاء أنه يترتب على انعقاد الصلح حصول البراءة عن الدعوى، ووقوع الملك فى بدل الصلح للمدعى، وفى المصالح به للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك، كما أن الصلح يعتبربأقرب العقود إليه، فما كان فى معنى البيع أو الإجارة أخذ حكمه؛ ذلك أن العبرة فى العقود للمقاصد والمعانى دون الألفاظ والمبانى.

كما أن الصلح من العقود اللازمة، فإذا انعقد صحيحا خاليا من العيوب، فإنه لا يملك أحد المتعاقدين فسخه أو الرجوع عنه بمفرده (13).

أما عن شروط الصلح وسائر تفصيلات أحكامه وفروعها، فيرجع إليها فى كتب الفقه على نحو ما ذكرت من مراجع.

أ. د/على مرعى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015