ينسب الصفويون إلى جدهم الأعلى الشيخ صفى الدين الذى ينتسب فيما يقال إلى الإمام موسى الكاظم، فالأسرة بذلك من أولاد الإمام الحسين ومن ذرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد اتجهت هذه الأسرة اتجاها صوفيا فأصبح لها مريدون وأتباع فى موطنهم الأصلى "الأردبيل " ولما كثر هؤلاء الأتباع خافهم حاكم المنطقة فطردهم، فلجأوا إلى ديار بكر فأصبحوا فى رعاية حسن أوزون، وتزوج زعيمهم بنت حسن أوزون، وقاد جيوشه، وكان إسماعيل الصفوى- الشاه إسماعيل فيما بعد- ثمرة هذا الزواج، وقد استطاع إسماعيل أن يجمع أشتات أسرته وأن يجمع أشتات أتباعه، وبعد أن كان رجل دين أصبح قائدا عسكريا، واستطاع أن يعود إلى بلاده، وأن يبدأ فى تكوين مملكة كان لها شأن كبير فى التاريخ.
وحدث الصراع بين أمراء الآق قوينلو والصفويين القوة الجديدة التى قامت فى بلاد فارس، واتجهت هذه القوة إلى الاستيلاء على كل ما بأيدى الآق قوينلو ببلاد فارس والعراق وقد بدأ الصراع بين القوتين، إلا أن كفة الصفويين كانت ترجح دائما، وبخاصة أن ظهورهم بدأ فى فترة كان الخلاف واضحا بين أفراد أسرة الآق قوينلو، ومراحل هذا الصراع كما يلى:
1 - سنة 906 هـ عقب مقتل محمدى ميرزا عقدت معاهدة بين المنتصرين ألوند ومراد، بمقتضاها أصبحت أذربيجان وديار بكر إلى ألوند وأصبحت العراق وفارس لمراد.
2 - سنة 907 هـ انتهز الشاه إسماعيل الصفوى فرصة الخلاف والانشقاق فهاجم ألوند فى أذربيجان واضطره للفرار إلى بغداد ثم إلى ديار بكر وتوفى سنة 910 هـ.
3 - سنة 908 ص انثنى الشاه إسماعيل إلى مراد فالتقى به فى معركة بالقرب من همذان هزمه فيها شر هزيمة، وأرغمه على الفرار إلى بغداد.
4 - سنة 914 هـ هاجم الشاه إسماعيل بغداد فاضطر مراد وحاكم بغداد (باديك) إلى الفرار إلى مصركما سبق القول، وسقطت بغداد فى يد الصفويين وتعتبر سنة 914 هـ/508 1م تاريخا لانقراض دولة الآق قوينلو، وأصبحت العراق تابعة للصفويين وقد تحقق لإسماعيل الصفوى ما أراد، فأسس الأسرة الصفوية، ثم أخذ حكمه يتسع حتى امتد من جيحون إلى خليج البصرة ومن أفغانستان إلى الفرات، واستولى على بغداد سنة 914 هـ كما ذكرنا من قبل، وأصبحت العراق ولاية تابعة لملك الصفويين الفسيح. وتبعية العراق لبلاد فارس حدث خطير من الناحية الحضارية، فقد أصبح العراق بذلك تابعا لدولة مسلمة شيعية، بعد أن ظل عدة قرون تحت حكم جماعات أقرب للوثنية، وبهذا بدأ الطابع الإسلامى الحقيقى يعود إلى العراق هذا من الجانب الدينى إلا أن الصفويين حاولوا من جانب آخر أن يتجهوا بالعراق اتجاها فارسيا، بحيث يشمل اللغة والتقاليد، وكان هذا الاتجاه على وشك أن يعيد العراق إلى الفارسية كما كانت عليه قبل الإسلام، لولا الزحف العثمانى على العراق.
ولما كان الصفويون شيعة فقد اتجهوا باهتمامهم إلى مناصرة التشيع ونشره بالعراق، وقد بدأ الشاه إسماعيل بذلك، فإنه عقب فتح بغداد أسرع بزيارة العراق، ووفد له شيعة العراق فأكرم وفادتهم، وزار كربلاء والنجف فى إجلال ظاهر، وشيد بناية فخمة على قبر موسى الكاظم، وانثنى إلى قبور أئمة السنة فهدمها وقتل جماعة من السنيين. وبذلك أحيا الصراع الطائفى الذى عرفه العراق بين السنة والشيعة منذ العهد الأول للإسلام: والولاة الصفويون لبغداد هم:
1 - لالا حسين (أول وال فارسى) 914 هـ
2 - قثعرز سلطان 921 هـ.
3 - ثورة ذى الفقار نخود 930 هـ.
4 - محمد خان بن شرف الدين 936 هـ
5 - تكلو محمد خان 940 هـ- 941 هـ.
وكان هناك حاكم عربى للبصرة، ولكنه كان يدفع إتاوة سنوية إلى الشاه وندب الشاه أحد الخانات ليحكم الموصل.
وكان عهد الصفويين بالعراق عهد استقرار نسبى، وقد تقاطر التجار الفرس إلى بغداد وسكنوها، وبدأ النشاط الاقتصادى يأخذ طريقه، ولكن فترة الصفويين بالعراق كانت قصيرة، حيث امتدت حدود الأتراك العثمانيين حتى تاخمت حدود الصفويين، وكان الخلاف الطائفى بين أهل السنة والشيعة حادا فاستلزم صراعا بين القوتين الكبيرتين وامتد الصراع إلى بغداد، ورجحت فيه كفة الأتراك العثمانيين، إلا أن الحكم الصفوى استطاع أن يعود مرة أخرى سنة 623 1م وكان ذلك فى عهد الشاه عباس الذى شجعه على أطماعه ضعف الدولة العثمانية، وقد حاصر الشاه بغداد حصارا طويلا، مما دفع أهلها الجائعين إلى أن يأكلوا لحوم البشر، وفى وسط هذه الأزمة الطاحنة حدثت حوادث مفزعة بين أهل السنة والشيعة، فقد صلب أهل بغداد الفرس الشيعيين وألقوا برؤوسهم إلى المحاصرين وعلقوا أجسامهم على الأسوار، وانتقاما لذلك قضى جنود الشاه عباس عندما استولوا على بغداد على أهل السنة قضاء تاما، ولم يدعوا أثرا لأبنية بغداد الشاهقة، حتى جامع أبى حنيفة وعبد القادر الجيلانى أصبحا أنقاضا.
لكن كان عمر هذا النصر الصفوى قصيرا، إذ استطاع ا. لسلطان العثمانى مراد الرابع استعادة بغداد لآخر مرة سنة 638 1م وأوقع بالجيش الشيعى مثل ما أوقعه الشيعة بأهل السنة من دمار، ثم تم الصلح مع الصفويين وتم تثبيت الحدود بين الدولتين. وأصبحت العراق جزءا من الإمبراطورية العثمانية.
(هيئة التحرير)