19 - الصَّقَالِبة

يطلق مصطلح الصقالبة (السٌّلاف) على أمة مرجعها أصل واحد، وقد أكثر من ذكرها مؤرخو اليونان والرومان والعرب، ولكن أكثر أقوالهم مبهمة لا تدل دلالة صريحة على أصل مرجعها، وتوزعها فى بلاد أوروبا وآسيا، ومن مؤرخى العرب من جعلها فئة قليلة، ومنهم من توسع فنسب إليها بلادا وأمما لم تكن منها.

قال ياقوت الحموى: "الصقالبة جيل حمر الألوان صهب الشعور يتاخمون بلاد الخور فى أعالى جبال الروم " وقال أيضا: الصقالبة بلاد بين بلغار وقسطنطينية. وقال المسعودى: الصقالبة أجناس مختلفة ومساكنهم فى المغرب وبينهم حروب، ولهم ملوك، فمنهم من ينقاد إلى دين النصرانية، ومنهم من لا كتاب له ولا شريعة.

وجعل المسعودى الترك من الصقالبة قال: وهذا الجيش (أى الترك)، أحسن الصقالبة صورا وأكثرهم عددا وأشدهم بأسا.

وقال ابن خلدون: الصقالبة إخوة الخزر والترك. ولا يخفى ما فى هذا الإجمال من الإبهام والغموض.

ولكل المؤرخين عذرهم لأن هذه الأمم لم تبلغ فى أيامهم شأنا يدونه التاريخ، فإنهم أخذوا ما أخذوه مما التقطوه من أفواه الناس، أو نقلوه عن تواريخ اليونان الذين لم يكن لعهدهم منزلة كبرى لهذه الأمم، غير أن الدراسات الحديثة أكدت أنهم شعوب كانت تسكن بين جبال الأورال والبحر الأدريانى فى أوروبا الشرقية والوسطى، ويتكلمون بلغات تنتمى إلى العائلة- الهند وأوروبا- ويقسمون عادة إلى ثلاثة أقسام كبرى: صقالبة الغرب ويشملون البولنديين، والتشيكيين والسلوفاكيين، وعناصر أخرى صغيرة فى شرقى ألمانيا.

وصقالبة الشرق: وهم (الروس الكبار)، والأوكرانيون (الروس الصغار) البلورسيون (الروس البيض).

وصقالبة الجنوب ويضمون الصربيين والكرواتيين والسلوفينيين والمقدونيين والبلغاريين.

وينقسم الصقالبة ثقافيا إلى مجموعتين رئيسيتين: الأولى ترتبط بالكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والأخرى بكنيسة الروم الكاثوليكية. ويذكر أن الصقالبة اسم يطلق على جميع الأسرى الذين كانت تأتى بهم الجيوش الألمانية من حملاتها من جميع البلاد الأوروبية ثم يبيعونهم إلى الأندلس، وهم لا يزالون بعد فى شرخ الشباب، ولكنهم سرعان ما بدأوا يتحدثون باللغة العربية، ثم أسلموا وقد أثرى بعضهم وامتلك الضياع الواسعة، بل كان لهم عبيدهم الخاصون بهم، وتثقفت عقولهم بفضل اتصالهم بالحضارة الأندلسية الزاهرة، وكان منهم علماء مشاهير وشعراء.

وفى راوية الأبار والمقرى أن أحدهم وهو حبيب الصقلبى، صنف فى عهد هشام الثانى كتابا أشاد فيه بفضائل أدباء الصقالبة من الأندلسيين، وكان عنوان الكتاب " الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة ".

وكان الصقالبة فى الأندلس لهم دور بارز فى السياسة يتناسب وازدياد عددهم حتى أنهم كونوا طبقة اجتماعية تشبه إلى حد ما طبقة المماليك الأتراك فى المشرق الإسلامى. وقد استخدم الخلفاء الأمويون فى الأندلس هؤلاء الصقالبة للحد من نفوذ الأرستقراطية العربية فى الحكم، وإضعاف سيطرة الجند من العرب والبربر، وقد استمر الصقالبة يقومون بدور مهم فى سياسة الدولة الأموية، ويتدخلون فى إقامة الخلفاء وعزلهم حتى احتضار الدولة، إذ شاركوا فى المؤتمرات التى قامت فى قرطبة وغيرها من مدن الأندلس. ومن أشهر أمرائهم (أبو الجيش مجاهد العامرى الصقلبى) الذى استطاع بقوة أسطوله أن يضم جزر البليار إلى ملكه فى 405 هـ/014 1م ومن ثم اتخذها قاعدة انطلق منها أسطوله لغزو جزر البحر المتوسط. ولاشك أن هؤلاء الصقالبة قد تركوا أثرا حضاريا فى الأندلس لا يمكن إغفاله، فهم وإن كانوا قد فقدوا كل صلة ببلادهم الأصلية، واعتنقوا الإسلام، وأتقنوا

اللغة العربية، فإنهم برغم ذلك قد جلبوا معهم بعض العادات الاجتماعية، والتقاليد الثقافية، والفنون الشعبية، والمفردات اللغوية التى تعلموها فى صغرهم.

كذلك اشتهر منهم الأدباء والشعراء الذين ظهرت فى كتاباتهم اتجاهات شعوبية تغلب العجم على العرب. ومع ذلك فإن هؤلاء الصقالبة قد لعبوا دورا سياسيا وثقافيا فى تاريخ أسبانيا الإسلامية. ويبدو أن ابن الكلبى هو أول من لاحظ العلاقة بين الصقالبة وشعوب العرب، ولقد استعير اللفظ التركى الحديث (سلاو) من الاستعمال العلمى الأوروبى الحديث، والراجح أن استعارته كانت من الفرنسية، وأبرز معالم للتاريخ الصقلبى ظهور روسيا الموحدة من عدة دول منفصلة، وكانت الدعوة للجامعة السلافية من أقوى ما اعتمدت عليه روسيا فى توسعها.

أ. د/عزة الصاوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015