لغةً: الصحيحُ: السليم من العيوب والأمراض. ومن الأقوال: ما يعتمد عليه. والصحيح من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: الحديث المرفوع المتصل بنقل عَدْلٍ ضابط فى التحرى والأداء سالماً (1) من شذوذ وعلة.
واصطلاحاً: يطلق مصطلح الصحيحين على صحيحى البخارى ومسلم، وهما الكتابان اللذان تلقتهما الأمة بالقبول، واعتبرا أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل (?) فى رواية السنة المشرفة.
وسمى البخارى كتابه "الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه " (3).
ويعد صحيح البخارى مرحلة هامة من مراحل تطور علم الحديث رواية، إذ كانت المؤلفات فى هذا العلم قبله لا تفرد الحديث الصحيح بالتأليف، باستثناء موطأ الإمام مالك.
والذى دفع البخارى إلى ذلك هو استطالة الأسانيد، وكثرة طرق الحديث وبالتالى كثرت الأحاديث بما فيها من صحيح وضعيف، وأصبح من العسير تمييز هذا من ذاك. فوفر ذلك الإمام البخارى فى كتابه، وقد أعلن هذا المحدث الكبير ابن راهويه فى مجلس من مجالسه العلمية الذى كان يضم الإمام البخارى. قال: "لو جمعتم كتابا مختصراً لصحيح سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال البخارى: فوقع فى قلبى، فأخذت فى جمع الجامع الصحيح " (4).
واشترط البخارى ألا يدخل فى كتابه إلا أصح ما ورد من الحديث، ولهذا ترك الكثير من الصحيح (5)، واشترط بالإضافة إلى الشروط العامة للحديث الصحيح: طول ملازمة الراوى لشيخه، لأن ذلك أدعى إلى حفظه وضبطه للحديث الذى يرويه، كما اشترط أن يثبت عنده تاريخيا لقاء الراوى بشيخه وسماعه منه الحديث الذى يرويه عنه بصيغة تحتمل السماع وعدمه (6).
وهذه الشروط إنما تنطبق على الأحاديث المسندة فى الكتاب دون المعلقة التى قد تكون على شرطه، وقد لا تكون.
وقد رتب الإمام البخارى كتابه، على أبواب الفقه والعقائد، والتفسير والآداب، كل مجموعة من الأبواب ينتظمها موضوع واحد جعلها كتابا يضم معنى هذه الأبواب.
وترجم البخارى لهذه الأبواب بتراجم تضمنت الكثير مما يستنبط من الأحاديث من أحكام فقهيه، ولهذا قيل بحق: فقه البخارى فى تراجمه.
أما صحيح مسلم (204 هـ- 261 هـ) فاسم كتابه: "المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (7).
يقول عنه مسلم: "ما وضعت شيئا فى كتابى هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئاً إلا بحجة" (8)، ويقول: "ليس كل شيء عندى صحيح وضعته ههنا- يعنى فى كتابه الصحيح- إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه " (9).
وأتى صحيح مسلم فى المرتبة الثانية بعد البخارى- على رأى الجمهور- لأنه لم يشترط ما اشترطه البخارى من ملازمة الراوى لشيخه، وثبوت اللقاء فيما عبر عنه الرواة بعبارة تحتمل السماع وعدمه، واكتفى مسلم بالشروط العامة للصحيح، لكن هذا لا يمنع أن مسلما انتخب أحاديثه من أصح الأحاديث، قال: "إنما أخرجت هذا الحديث من الصحيح ليكون مجموعا عندى، وعند من يكتبه عنى، ولا يرتاب فى صحته " (10).
ورتب مسلم كتابه ترتيبا على الموضوعات كما فعل البخارى، ولكنه لم يضع تراجم لأبوابه، وجرده للصحيح فلم يدخل فيه كثيرا من التعليقات التى قد لا تكون على شرطه، كما أنه قد امتاز بجمع روايات الحديث فى مكان واحد على عكس البخارى الذى فرق الروايات فى الكتاب، لتفيد من الناحية الفقهية، أما صنيع مسلم فيفيد من الناحية الحديثية.
أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب