اصطلاحا: هو سؤال الملكين منكر ونكير للميت بعد دفنه فى قبره.
وهو من الغيبيات التى يجب على المسلم الإيمان بأن أول ما ينزل بالميت بعد موته سؤال الملكين فى القبر، وبأن الله يرد عليه روحه وسمعه وبصره، ثم يسأله الملكان عن ربه ودينه ونبيه، فإما أن ينعم وأما أن يعذب حسب حسن إجابته أو سوئها، وقد ورد فى ذلك أحاديث كثيرة بلغت حد الشهرة والتواتر المعنوى منها:
"استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل" (رواه أبو داود).
وحينما تفارق روح الإنسان جسده، ويوضع فى قبره، يكون قد ودَّع الحياة الدنيا، ولم يعد يملك إلا ما كان يعمله فى الدنيا، ويبقى وحيدا، لا معين ولا نصير. وفى القبر يكون أول مواقف الحساب، وأول حادث يواجهه الإنسان بعد دفنه هو سؤال الملكين له فى القبر، ويودع الله فيه نوعا من الحياة، بها يستطيع، فهم السؤال والإجابة عليه.
وقد قيل: إنه ورد فيه قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} (إبراهيم (27). فالقول الثابت فى الحياة الدنيا هى كلمة التوحيد، وفى الآخرة أى القبر حين يسألون عن ربهم ودينهم ونبيهم فيوفقون فى الإجابة على ذلك، فعن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سئل فى القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله"
] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة [.
وليس السؤال فى القبر للروح وحدها، كما قال ابن حزم وابن هبيرة، وأفسد منه قول من قال: إنه للبدن بلا روح، والأحاديث الصحيحة ترد القولين. وكذلك عذاب القبر ونعيمه يكون للنفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والإجماع، تنعم النفس وتعذب مفردة عن البدن ومتصلة به. واتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان بعد موته قُبِرَ أم لم يُقْبَرْ يسأل عن أعماله، وجوزى بالخَير خيرا، وبالشر شرا، وأن النعيم أو العذاب على النفس والبدن معا. ولم ينازع أحد من جمهور المسلمين فى سؤال القبر أو فى تسمية الملكين اللذين يأتيان ويسألانه- منكر ونكير- إلا بعضا من المعتزلة كالجبائى والبلخى. ولكن القاضى عبد الجبار المعتزلى يقرر أنه يجب الإيمان والإقرار بسؤال القبر، وأن الله يبعث إلى الميت ملكين يقال لأحدهما منكر، والآخر نكير، وإنهما يسألان الميت ثم يعذبانه، أو يبشرانه على حسب ما وردت به الأخبار، لأن ذلك مما لا يهتدى اليه من جهة العقل، وإنما الطريق اليه السمع فوجب قبولها. ومما جاء فى صفة الملكين وصفة سؤالهما ما رواه معمر عن عمر بن دينار وعن سعد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: كيف بك يا عمرإذ جاءك منكر ونكير وإذ مت وانطلق بك قومك وقاسوا ثلاثة أذرع وشبرا فى ذراع وشبر ثم غسلوك وكفنوك وحنطوك ثم احتملوك فوضعوك فيه ثم أهالوا عليك التراب فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يجران شعورهما ومرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يقلوها؟ فقال عمريا رسول الله، أفرقنا فحق لنا أن نبعث على ما نحن عليه أو قال يا رسول الله أيرجع إلىّ عقلى، قال: نعم. قال عمر إذا أكفيكهما والله لئن سألانى سألتهما فأقول لهما: أنا ربى الله فمن ربكما أنتما؟ ومن ذلك الوصف أيضا ما رواه أبو هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قبر الميت او قال أحدكم آتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكروالآخر النكير فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له فى قبره سبعون ذراعا فى سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلى فأخبرهم فيقولان نم كنومة العروس الذى لا يوقظه إلا أحب أهله إليه يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدرى فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمى عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، رواه الترمذى وابن حيان فى صحيحه.
ومما تقدم يستفاد أن لأهل القبور حياة يدركون بها أثر النعيم والعذاب، ولو تفتتت أجسادهم، وأما كيفية تنعيمهم أو تعذيبهم فأمرها غيبى لا تعرف حقيقتها، وحال الميت فى ذلك كحال النائم يرى الملاذ، ولا يرى من بجواره شيئا.
(هيئة التحرير)