اصطلاحا: هى إحدى الحركات الإصلاحية فكريا وثقافيا وسياسيا، والتى لعبت دورا كبيرا فى الحياة السياسية بأفريقيا، وبخاصة ليبيا.
وقد عدّها بعض من المؤرخين طريقة من طرق الصوفية، ولعل ذلك لخروج طرق صوفية من تحت عباءتها. وتنسب هذه الحركة إلى مؤسسها محمد بن على السنوسى بن العربى، وهو من سلالة الأدارسة الذين يتصل نسبهم بعلى بن أبى طالب - رضي الله عنه - وقد ولد فى الثانى والعشرين من ديسمبر سنة 1798م فى بلدة مستغانم بالجزائر. وفى ذلك الوقت كانت البلاد العربية تابعة للخلافة العثمانية ممثلة فى الأتراك العثمانيين، والذين كانوا عسكريين فقط، فلم يبذلوا جهدا يذكر فى ترقية الحياة الاجتماعية والثقافية عند المسلمين، وكانوا يقنعون من الوالى بأن يدفع لهم ما التزم به من مال، مما أدى إلى انتشار الجهل والتخلف الفكرى فى البلاد الخاضعة لتركيا. إضافة إلى ذلك، لم تستمر الانتصارات العسكرية، حيث انقلب ميزان القوى، وبدأت الهزائم تتوالى على تركيا والبلاد العربية التابعة لها من القرن السابع عشر، وتجمعت دول أوروبا عليها مما ولّد إحساسا بالخسارة سياسيا وثقافيا كان هو الباعث والمحفز لظهور حركات إصلاحية فى شتى البلاد العربية، فظهرت فى اليمن الحركة الزيدية، وفى مصر حركة على بك الكبير وفى فلسطين حركة الزعيم البدوى ضاهر العمر، وفى لبنان حركة الأمير فخر الدين وحركة الشهابيين، إضافة إلى حركة جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده التى انتشرت فى عدة أقطار عربية.
ولم يكن السنوسى بمعزل عن هذا كله، فقد طاف البلاد العربية متعلما ومتابعا لما يحدث، فرحل إلى فاس حيث التحق بجامعة القرويين، وكذا إلى مصر حيث تعلم بالأزهر الشريف، ثم رحل إلى الحجاز وتعلم منهم، وبعد هذا التطواف تولد لديه الإحساس العميق بحاجة الدعوة الإسلامية إلى الإصلاح، فراح يعمل على وضع خطة لتنفيذ ذلك.
وكان أهم عُمُد خطته الإصلاحية ما يلى:
1 - ليست هناك حدود تقسم العالم الإسلامى، فالحركة الإصلاحية يلزم أن تكون شاملة لكل أقطاره.
2 - يجب أن تكون الحركات الإصلاحية سياسية وفكرية فى نفس الوقت، فكلاهما مكمل للآخر.
3 - يجب أن تعنى الحركة الإصلاحية بنشر الإسلام وبخاصة فى اللادينيين، وذلك فى مواجهة حركة التبشير المسيحية.
4 - الاعتماد على الكتاب والسنة والانتفاع بالمذاهب المختلفة فيما يناسب المسلمين وييسر حياتهم، مع تنقية الإسلام من بدع أهل الأهواء.
5 - يجب آن تتخلى الطرق الصوفية عن الزهد والخمول والاستجداء الذى كان يغلب على طابعها لأنه ليس من الإسلام فى شيء. ولتحقيق هذه الخطة أنشأ عدة زوايا كمراكز دينية وثقافية واجتماعية وعسكرية، وهى عبارة عن فناء واسع تحيط به مرافقه ممثلة فى مسجد ومسكن الشيخ ومكان للضيافة وحجرات لسكنى الطلاب ومحل لإيواء اللاجئين إلى الزاوية، وبه بئر ومخزن للأمتعة، وتكون فى مكان حصين أو نحوه ليسهل الدفاع عنها، كما يكون موقعها بحيث يسهل الاتصال بينها وبين غيرها من الزوايا، ويقوم عليها "مقدّم " يكون هو الشيخ والقيم عليها يتولى أمور الناحية، ويفصل فى الخصومات بين أهلها وسائر الشئون الاقتصادية، ولكل زاوية شيخ يقيم الصلاة ويقوم على تعليم الأولاد ومباشرة عقود النكاح وسائر الأشياء الشرعية. ويشرف على إدارة الزوايا جماعة تسمى (الخواص) وهم الذين بلغوا درجة عالية فى العلم والمعرفة.
ولقد تنقل السنوسى من الحجاز إلى مصر ثم إلى طرابلس سنة1840هـ حيث استقر بها
وأنشأ مركز دعوته سنة 1843م فى الزاوية البيضاء بالجبل الأخضر ثم نقله سنة 1856م
إلى واحة الجغبوب. وأنشأ فيها مدرسة دينية بها مكتبة تضم ثمانية آلاف مجلد، وكان
يشرف عليها إشرافا مباشرا.
ولنشاط السنوسى ونشاط أتباعه انتشرت الزوايا فى نواحى برقة وطرابلس ووادى،
وكان لها أكبر الأثر فى نشر الإسلام والحفاظ على ثوابته وأصوله. ولما توفى السنوسى
سنة 1859م خلفه ابنه المهدى، والذى نقل مركز الدعوة من الجغبوب إلى الكفرة
سنة 1895م، وكان نشيطا فى دعوته حتى إنه عند وفاته سنة 1902م كان
للسنوسية 136 زاوية. وخلف المهدى ابن عمه السيد أحمد الشريف، الذى وجد نفسه فى
ظروف استعمارية حملته على أن يخوض غمار الحرب ضد الفرنسيين، ثم ضد
الزحف الإيطالى على ليبيا، إلا أنه اعتزل زعامة السنوسية سنة 1918م إثر الهجوم
على مصر.
وآلت زعامة السنوسية إلى السيد إدريس الذى تولى ملك ليبيا، حيث أصبحت السنوسية قوة دولية يعترف بها، إلى أن هبّت ثورة الفاتح وعزلته سنة 1969م.
(هيئة التحرير)