لغةً: ما استندت إليه من حائط أو غيره، ومُعتَمَد الإنسان، أو هو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل (1).
واصطلاحاً: هو الطريق الموصل للمتن، أو هم رواة الحديث الذين رووه كل واحد عن الآخر حتى يبلغوا متنه، سواء كان هذا للمتن مرفوعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو موقوفا على غيره من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم. والصلة واضحة بين المعنى اللغوى والمعنى الاصطلاحى.
وإسناد الحديث: روايته بالإسناد وهم الرواة، وقد يطلق الإسناد ويراد به السند، قال ابن جماعة: المحدثون يستعملون السند والإسناد لشىء واحد (2).
ورواية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناده من أهم وسائل صيانته وأدائه أداءً صحيحا: لأنه بالإسناد يمكن تبيين حالة الرواة هل هم عدول ضابطون فيقبل حديثهم، أو غير عدول ضابطين، فلا يقبل؟ وهل هناك اتصال وثيق بين الرواة بعضهم وبعض، بمعنى أن كل واحد منهم قد سمع من الآخرة فيكون حديثهم صحيحاً، أو لم يسمع، فيكون انقطاعاً يحول دون صحة الحديث؟
ولما كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هى المصدر الثانى من مصادر التشريع، وكانت صحتها تتوقف على الإسناد كما سبق بيانه، فقد اكتسب الإسناد أهمية كبرى، واعتبر من الذِّين، قال عبدالله بن المبارك "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، كما يقول "بيننا وبين القوم القوائم " يعنى الإسناد (3).
ويحث محمد بن سيرين على تسمية من يؤخذ منهم الحديث، أى رواة الإسناد، والحذر من الأخذ عن غير العدول الضابطين، فيقول: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم. (4)
كما يبين ابن سيرين أن الاهتمام بالإسناد إنما نشأ بعد الفتنة، والخوف على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُدَسَّ فيه ما ليس منه أو يحرف، قال "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمَّا وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ". (5)
وقامت علوم لخدمة الإسناد حتى يحقق الهدف المَرجُوَّ منه، ومنها علم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، وعلم طبقات الرواة، وعلم علل الحديث، وغيرها.
ودرجة الحديث تتوقف على صفات الإسناد فصفات إسناد الحديث الصحيح: أن يكون متصلاً والرواة فيه عدول ضابطون، وأن يكون خاليًا من الشذوذ والعلة (6)، وان كان الشذوذ والعلة قد يرجعان إلى المتن فى بعض الأحيان.
وصفات إسناد الحديث الحسن: هى نفسها صفات الحديث الصحيح، غير أن ضبط بعض الرواة يقل عن تمامه فى الحديث الصحيح (7).
وصفات إسناد الحديث الضعيف: هى اختلاف صفة من الصفات السابقة، كأن يكون بعض رواته غير عدل ولكنه غير كذاب، أو سيئ الحفظ، أو منقطعاً أو فيه شذوذ، أو علة. ويتنوع الانقطاع فى الإسناد، فتارة يكون في أوله، وتارة يكون فى وسطه، وتارة يكون فى آخره، وبالتالى تتنوع الأحاديث الضعيفة لهذا السبب، ويطلق على كل نوع من الانقطاع مصطلح خاص، كالمرسل، والمنقطع، والُمعضَل، والمدلَّس، والبلاغ، والمعلّق (8).
أما الحديث الموضوع: فما كان فى إسناده كذِّاب.
وهناك تقسيم أخر للإسناد، وهو الإسناد العالى والإسناد النازل (9)، والإسناد العالى هو قلة الوسائط فى السند، أو قدم سماع الراوى، أو قدم وفاته، والإسناد النازل هو كثرة الوسائط فيه، وكما يقول ابن الصلاح .. "العلو يبعد السند من الخلل لأن كل رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوًا أو عمدًاه ففى قلتهم قلة جهات الخلل، وفى كثرتهم كثرة جهات الخلل، وهذا جلىَّ واضح " (10)
ولميزة العلو هذه استُحبَّت الرحلة فى طلب الحديث، ولا يكتفى كثير من المحدّثين بأن يحدثه علماء بلده عن شيوخ أحياء، بل يرحل إلى هؤلاء الشيوخ، وتنتفي هذه الواسطة، وهكذا، فتعلو الأسانيد.
وكان للرحلة هدف آخر أسمى، وهو قوة الإسناد، والاطمئنان التام إليه، قال الحاكم "وقد رحل فى طلب الإسناد غير واحد من الصحابة، وساق حديث خروج أبى أيوب الأنصارى عن المدينة إلى عقبة ابن عامر بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسولا الله - صلى الله عليه وسلم - (11).
ونحب أن ننوه إلى ماهو بَدهىُّ فى تاريخ العلوم الإسلامية، وهو أنه ليست السنة فقط هى التى نقلت بالأسانيد، وإنما كل العلوم الإسلامية نقلت كذلك، ابتداء من القرآن الكريم الذى نقل بأسانيد القراء جيلا بعد جيل، مع كونه نُقل متواترًا. وانتهاء بكل العلوم ويتجلى ذلك فى مخطوطات تلك العلوم، وهذا ما تمتاز به العلوم الإسلامية عن تراث الأمم الأخرى، وكما يقول ابن الصلاح "أصل الإسناد أولاً خِصَّيصة من خصائص هذه الأمة، وسنة بالغة من السنن المؤكدة) (12).
وبهذه الخِصَّيصة حفظ الله تعالى للأمة الإسلامية دينها، فلم يُحَرَّف كما حُرَّفت الرسالات السابقة، وصدق الله عزوجل حيث يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون} (الحجر 9).
أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب