لغةً: ما يتوصل به إلى غيره كما فى اللسان (1).
واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته (2)
وقيل: السبب وصف ظاهرمنضبط يلزم من وجوده وجود الحكم، ومن عدمه عدم الحكم (3).
من أمثلة السبب: السفر، فإنه سبب لجواز الفطر فى رمضان، والإسكار، فإنه سبب لتحريم الخمر، والقتل العمدة فإنه سبب لوجوب القصاص، ودلوك الشمس، فإنه سبب لوجوب صلاة الظهر، وشهر رمضان، فإنه سبب لوجوب الصوم.
والسبب ينقسم إلى ما يتكرر الحكم بتكرره كالدلوك للصلاة، ورؤية الهلال فى رمضان لوجوب الصوم، وكالنصاب للزكاة، والى ما لا يتكرر الحكم بتكرره كوجوب معرفة الله عند تكرر الأدلة الدالة على وجوده، ووجوب الحج عند تكرر الاستطاعة عند من يجعلها سببا.
ويقسم- أيضا- إلى وقتى كالزوال فإنه معرف لوقت الظهر، وإلى معنوى كالإسكار، فإنه معرف لتحريم الخمر، والملك، فإنه جُعل سببا لإباحة الانتفاع). (4)
وقد جعل بعض الأصوليين السبب والعلة لفظيين مترادفين بمعنى واحد، من كل وصف ظاهرمنضبط دلَّ الدليل السمعى على كونه معرفا لحكم شرعى، والبعض الآخر على أنهما متغايران، فالعلة عبارة عن وصف ظاهر منضبط مقتض للحكم الطالب له، وإن تخلف الحكم عنها لمانع أو فقد شرط، وأما السبب فهو عبارة عما حصل الحكم عنده لا به. وذهب فريق ثالث الى أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، يجتمعان فى وجه وينفرد الأعم "والأعم هو السبب" فكل علة سبب وليس كل سبب علة (5).
وعلى كل فقد يستعمل كل منهما فى معنى الآخر، فيذكر السبب ويراد به العلة، وتذكر العلة ويراد بها السبب.
ويطلق السبب فى عرف الفقهاء على أمور (6):
أحدها: ما يقابل المباشرة، ومنه قول الفقهاء: إذا اجتمع السبب والمباشرة غُلبِّ المباشرة، مثل: حَفر البئر مع التردى، فإذا حفر إنسان بئرا وجاء آخر فدفع شخصا فيه فالأول وهو من حفر متسبب، والثانى وهو الدافع مباشر، وهنا أطلق الفقهاء السبب على ما يقابل المباشرة.
ثانيها: علة العلة، فالرمى فى المثال السابق سبب للقتل، وعلة للإصابة التى هى علة لزهوق الروح الذى هو القتل، فالرمى هو علة القتل، وقد سموه سببا.
ثالثها: العلة بدون شرطها، مثل: ملك النصاب فى الزكاة مع عدم حولان الحول، فهو سبب "أى ملك النصاب " لوجوب الزكاة، وإن فقد شرطها وهو حولان الحول، وقد سموه سببا.
الرابع: العلة الشرعية، وهى المجموع المركب من المقتضى، والشرط، وانتفاء المانع، ووجود الأهل والمحل، وقد سمى ذلك سببا على جهة الاستعارة، لأن الحكم لم يتخلف عن ذلك فى حال من الأحوال، كالكسر للانكسار. والسبب، شرعى، وعقلى، وعادى، فالأول:
كالصيغة بالنسبة إلى العتق، ودخول الوقت بالنسبة إلى الصلاة، والثانى: كالنظر المحصل للعلم، والعادى: كحز الرقبة فى القتل (7).
حكمه (8): إذا وجد السبب، وتوافرت الشروط، وانتفت الموانع: ترتب عليه مسبّبه حتمًا لأن المسبب لا يتخلف عن سببه شرعا سواء أقصد من باشر السبب ترتيب المسبب عليه أم لم يقصد، بل يترتب ولو قصد عدم ترتبه، فالسفر فى رمضان يبيح الفطر سواء أقصد المسافر إلى الإباحة أم لا، ومن طلق زوجته رجعيا ثبت له حق مراجعتها ولو قال: لا رجعة لي، ومن تزوج امرأة حل له الاستمتاع بها وإن لم يقصد هو ثبوت الحل. والله أعلم.
أ. د/ على جمعة محمد
1 - لسان العرب، لابن منظور 3/ 1910م دار المعارف، والمصباح المنير للفيومى 1/ 400المطبعة الأميرية الكبرى بمصر، الطبعة الثانية1909 م، والمعجم الوسيط 1/ 411 دار المعارف 1972 م.
2 - التمهيد فى تخريج الفروع على الأصول للإسنوى تحقيق د/ محمد حسين هيتو ص53 مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1981 م وتقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى، تحقيق: محمد المختار الشنقيطى ص هـ 24 مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1414 هـ.
3 - شرح تنقيح الفصول للقرافى ص 81، طبعة الكليات الأزهرية، وتسهيل الوصول إلى علم الأصول للشيخ المحلاوى ص255، مطبعة الحلبى بمصر 1341 هـ.
4 - البحر المحيط للزركشى 1/ 306 طبعة وزارة الأوقاف بالكويت 1990 م-
5 - القاموس القويم فى اصلاحات الأصوليين لدكتور: محمد حامد عثمان ص 4 21 وما بعدها، دار الحديث بالقاهرة. طبعة أولى 1996م.
6 - البحر المحيط 1/ 307، وشرح الكوكب المنيرلابن النجار الحنبلي- تحقيق د/ نزيه حماد ودـ/ محمد الزحيلى 1/ 448 طبعة السعودية الأولى،
7 - التمهيد للأسنوى ص83.
8 - أصول الفقه الإسلامى للدكتور وهبة الزحيلى1/ 98 دار الفكر، الطبعة الأولى 1986م-