هى إحدى فرق الشيعة الثلاث الكبرى الموجودة فى العالم الإسلامى حتى اليوم، وهم أتباع زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب- رضى الله عنهم- الذى خرج على هشام بن عبد الملك، وقتل سنة 121هـ (1).
ويبنى جمهور الزيدية مذهبهم على الإمامة على الأسس التالية:
1 - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نص على إمامة علىّ - رضي الله عنه - بالوصف لا بالاسم.
2 - ينبغى أن يكون الإمام فاطميا عالما زاهدا شجاعا سخيا خرج بالإمامة يجب له الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين- رضى الله عنهما.
3 - جواز خروج إمامين فى قطرين يستجمعان هذه الخصال، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة.
4 - جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل، فقال: كان على بن أبى طالب - رضي الله عنه - أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبى بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين نار الفتنة وتطييب قلوب العامة.
5 - إثبات إمامة أبى بكر وعمر- رضى الله عنهما.
6 - جواز إمامة المفضول، والأفضل قائم، فيرجع إليه فى الأحكام، ويحكم بحكمه فى القضايا.
وقد تتلمذ زيد بين علىّ على يد واصل بن عطاء رأس المعتزلة مع اعتقاد واصل أن جده على بن أبى طالب - رضي الله عنه - فى حروبه التى جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأهل الشام ما كان على يقين من الصواب، وأن أحد الفريقين منهما كان على الخطأ لا بعينه، فاقتبس منه الاعتزال وصار أصحابه كلهم معتزلة.
وقد جرت مناظرات بين زيد بن على وبين أخيه الباقر محمد بن على فى أمور عدَّة منها:
(أ) أنه كان يتتلمذ على يد واصل بن عطاء، ويقتبس العلم ممن يجوِّز الخطأ على جده فى قتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
(ب) أن زيداً كان يتكلم فى القدر بغير مذهب أهل البيت.
(ج) اشتراط زيد الخروج فى صحة الإمامة، حتى قال له الباقر يوما: " على مقتضى مذهبك والدك ليس بإمام، فإنه لم يخرج قط ولا تعرض للخروج ".
ولما قتل زيد بن علىّ بكناسة الكوفة قام بالإمامة بعده يحيى بن زيد، ومضى إلى خراسان، وقد اجتمعت عليه جماعة كثيرة وبايعوه، ووعدوه بالقيام معه ومقاتلة أعدائه، وبذلوا له الطاعة، فبلغ ذلك جعفر بن محمد الصادق؛ فكتب إليه ينهاه عن ذلك، وعرّفه أنه مقتول كما قتل أبوه. وكان كما أخبر الصادق؛ فإن أمير خراسان قتله.
وقد فوض يحيى بن زيد الأمر بعده إلى محمد وإبراهيم الإمامين، وخرجا بالمدينة. ومضى إبراهيم إلى البصرة واجتمع الناس عليهما وقتلا أيضا. ولم ينتظر أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان "ناصر الأطروشى" فطلب مكانه ليقتل. فاختفى وصار الى بلاد الديلم والجبل، وكانوا لم يدخلوا دين الإسلام، فدعاهم إلى الإسلام على مذهب زيد بن علىّ فدانوا بذلك ونشأوا عليه وبقيت الزيدية فى تلك البلاد ظاهرين، وكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة ويلى أمرهم.
ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول، وطعنت فى الصحابة طعن الإمامية.
وتنقسم الزيدية إلى فرق كثيرة أشهرها-
(أ) الجارودية: وهم أصحاب أبى جارود زياد بن أبى زياد، وقد زعموا أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نصّ علىّ بن أبى طالب - رضي الله عنه - بالوصف دون التسمى وهو الإمام بعده. والناس قصروا حيث لم يتعرافو الوصف، ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم فكفروا بذلك. وقد خالف أبو الجارود بذلك إمامه زيد بن علىَّ حيث لم يعتقد ذلك الاعتقاد.
(ب) السليمانية: وهم أصحاب سليمان بن جرير، وكان يقول: إن الإمامة شورى فيما بين الخلق ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين، وإنها تصح فى المفضول مع وجود الأفضل، وأثبت إمامه أبى بكر وعمر باختيار الآمة. غير أنه طعن فى عثمان - رضي الله عنه - للأحداث التى أحدثها، وكفره بذلك، وطعن فى الرافضة.
(ج) الصالحية والبترية، والصالحية أصحاب الحسن بن صالح بن حىّ، والبترية أصحاب كثير الأبتر، وهما متفقان فى المذهب. وقولهم فى الإمامة كقول السليمانية، إلا أنهم توقفوا فى أمر عثمان، أهو مؤمن أم كافر؟ وقالوا: "إذا سمعنا الأخبار الواردة فى حقه، وكونه من العشرة المبشرين بالجنة؟ قلنا: يجب أن نحكم بصحة إسلامه وإيمانه، وكونه من أهل الجنة. وإذا رأينا الأحداث التى أحدثها من استهتاره بتربية بنى أمية وبنى مروان واستبداده بأمور لهم توافق سيرة الصحابة: قلنا، يجب أن نحكم بكفره. فتحيرنا فى أمره وتوقفنا فى حاله، ووكلناه إلى أحكم الحاكمين "-
أما عن الآراء الكلامية للزيدية فيمكننا أن نحكم عليهم بأنهم معتدلون فى آرائهم، لأن آراءهم مرددة بين رأى المعتزلة والأشاعرة، وليس المراد من هذا أنهم كانوا أشاعرة، ولكن آراءهم تشبه آراء الأشاعرة فقط، ولأن تاريخهم فى الوجود متقدم على وجود الأشاعرة، وأن ميلهم إلى آراء المعتزلة أكثر من غيرهم، ويظهر أن سبب ذلك أنهم تتلمذوا على يد المعتزلة.
ويلاحظ أن الزيدية قد امتازت آراؤهم بالدقة أكثر من آراء الخوارج لأنهم لم يكونوا مشغولين مثلهم فى الحروب، ولم يكونوا متطرفين تطرفهم فى الحكم على مخالفيهم، ولقد كان اعتدالهم فى آرائهم سببا فى بقاء مذهبهم، واعتناق بعض المسلمين لهم حتى عصرنا هذا، وأغلب ذلك فى بلاد اليمن، ولم يقف الزيدية فى التأليف على الآراء الكلامية، وإنما ألفوا فى الفقه، ولهم فقههم المعروف باسمهم الآن "فقه الزيدية".
بقى أن نقول إن الزيدية كانوا أقرب فرق الشيعة الى أهل السنة، بل إن هناك اتجاهامحافظا بينهم يتسم بطابع الولاء للأحاديث والأخبار فى صورة سلفية لا حشوية، وهذا الاتجاه المحافظ يوازن الاتجاه العقلى الاعتزالى عند القوم، مما يعطى للفكر الزيدى لونا خاصا واصالة مشهودة فى العقيدة وفى الفقه على السواء.
(هيئة التحرير)