ورد الذكر فى القرآن الكريم فى مواضع عديدة تبياناً لمنزلته العظمى فى مقام الإيمان بوجه عام، ومقام الإحسان بوجه خاص. وقد أمر به النبى - صلى الله عليه وسلم -، كما أمر به المؤمنون، قال تعالى:} واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة .. {(الأعراف 205)، وقال:} يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيراً {(الأحزاب ا 4). والذكر فى القرآن هو أفضل الطاعات وأكبرها:} ولذكر الله أكبر {(العنكبوت 45) بل هو الغاية من "الصلاة" التى هى أشرف الطاعات:} وأقم الصلاة لذكرى {(طه 14). والأحاديث الصحيحة الواردة فى فضل الذكر كثيرة أيضاً، منها- على سبيل المثال-: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " سبق المفرّدون " قالوا: وما المفرّدون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " (1).
والذكر- عند الصوفية- على ضربين: ذكر باللسان وذكر بالقلب، والأول وسيلة إلى الثانى: والثانى أهم من الأول، والأول من شأن العوام، لأنه قد يحصل مع غفلة القلب. بخلاف الثانى فإنه من شأن الخواص من المقربين. لكن المريد الكامل هو الذى يجمع بين ذكر اللسان وذكر القلب. والذكر الممدوح فى النصوص الشرعية- فيما يقول الصوفية- هو ما كان مضبوطاً بقواعد الحلال والحرام والأدب، ولذلك ينكرون حلقات الذكر المصحوبة بالألحان والرقص واختلاط الرجال بالنساء، ويكرهون حضور المجالس إلى يُتلى فيها القرآن بالألحان، أو تُنشد فيها الأشعار مع التواجد والطرب (2).
وبعض الشيوخ يقولون: إن الأفضل للمريد أن يقيم على ذكر واحد يلتزمه، ومن هؤلاء من يصرح بأن ملازمة ذكر واحد أفضل من تلاوة القرآن. لكن المحققين منهم يردون هذا القول، وبخاصة: السهروردى الذى يقول فى كتابه عوارف المعارف (على هامش علوم الدين، 4/ 494 - 495): "ولابد للمبتدئ أن يكون له حظ من تلاوة القرآن، ولا يصغى إلى قول من يقول: ملازمة ذكر واحد أفضل من تلاوة القرآن، فإنه يجد فى القرآن فى الصلاة، وفى غير الصلاة، جميع ما يتمنى، وإنما اختار بعض المشايخ أن يديم المريد ذكرا واحداً ليجتمع الهم فيه، ومن لازم التلاوة، فى الخلوة وتمسك بالوحدة، تفيده التلاوة والصلاة أوفى ما يفيده الذكر الواحد ".
ويدل على علو منزلة الذكر أنه غير محدد بوقت معين، فهو أدوم العبادات وأسرعها ثمرة للعبد، والصلاة فى كونها أشرف العبادات تجوز فى وقت ولا تجوز فى وقت آخر. والذكر أفضل من الفكر، لأن الله يتصف به ولا يتصف بالفكر، قال تعالى:} فاذكرونى أذكركم {(البقرة 152). ودرجات الذكر ثلاث: الذكر الظاهر: وهو ما كان باللسان والقلب معا، والذكر الخفى: وهو ذكر القلب بوارداته وتجلياته، والذكر الحقيقى: وهو ذكر الله لعبده مع تخلص العبد من رؤية الذكر، وبعضهم يقول: إن بقاء الذاكر شاهدا لذكره أفضل من فنائه عن شهود الذكر، لأن طريق البقاء أسلم فى عواقبه من طريق الفناء، ويشترط متأخروا الصوفية "شيخ التربية" فى تلقين الذكر للمريد فى بادئ أمره. ولهم فى كيفية التلقين وآداب الذكر وحركاته كلام كثير، ولهذا أيضا فى أنواع الذكر ودرجاته تقسيمات أخرى يضيق عنها المقام.
أ. د/ أحمد الطيب
1 - رواه مسلم فى صحيحه: كتاب الذكر والدعاء ... ، باب: الحث على ذكر الله.
2 - اللمع، أبو نصر السراج: بتحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقى سرور، ص372 - 374 دار الكتب الحديثة بمصر 1380 هـ- 1960م، نتائج الأفكار القشيرية فى بيان معانى شرح الرسالة القشيرية، مصطفى العروسى (شيخ الإسلام)، 1: 154، ط بولاق مصر 1290هـ.