18 - الدِّين

الدين من الألفاظ التى لم تخل منها لغة من اللغات بمدلولها، لأن التدين فطرة، وقد تعددت دلالتها بتعدد الأمم، وإن وجد قاسم مشترك بينها في النهاية، وقد عرفها العرب بمدلولات شتى، ووردت فى القرآن الكريم بمعان متعددة منها:

1 - الدين: الطاعة، وهو أصل المعنى، ودنت له أى أطعته، ومنه قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله} البقرة:193.

وفى آية أخرى: {ويكون الدين كله لله} الأنفال:193، أى الخضوع له وحده دون سواه، قال عمرو بن كلثوم:

وأياما لنا غرا كراما * عصينا الملك فيها أن ندينا

ومنه قوله تعالى: {لا إكراه فى الدين} البقرة:256، أى فى الطاعة.

2 - الدين: الجزاء والمكافأة، يقال دانه دينا أى جازاه، ويقال: كما تدين تدان أى كما تجازى بحسب ماعملت، ومنه قوله تعالى {أءنا لمدينون} الصافات:53، أى مجزيون، قال خويلد بن نوفل يخاطب الحارث بن أبى شمر:

يا صاح أيقن أن ملكا زائل * واعلم بأن كما تدين تدان

3 - الدين: الحساب، ومنه قوله تعالى: {مالك يوم الدين} الفاتحة:4، وبه فسر الحديث: (الكيس من دان نفسه) أى حاسبها.

4 - الدين: السلطان والملك، وقد دنته دينا، ملكته، ومنه قوله تعالى: {غير مدينين} الواقعه:86، أى غير مملوكين عند الفراء، ومنه قولهم: يدين الرجل أمره، أى يملكه.

5 - الدين: القضاء والحكم والملك، وبه فسر قوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك} يوسف:76، أى فى حكمه وقضائه، والديان: هو القاضى.

6 - الدين: الحال والعادة والشأن، يقال: مازال ذلك دينى وديدنى، أى عادتى، قال المثقب العبدى:

تقول إذا درأت لها وصينى * أهذا دينه أبدا ودينى

قال ابن شمل: سألت أعرابيا عن شئ فقال: لولقيتنى على دين غير هذا لأخبرتك.

7 - الدين: يطلق ويراد به الإسلام، قال الراغب: ومنه قوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون} آل عمران:83، يعنى الإسلام لقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} آل عمران:85.

وقد وردت الكلمة بمعان أخرى غير ما سبق فى لغة العرب وفى القرآن الكريم.

ومن ملاحظة جملة المعانى السابقة من منظور دينى ندرك أنها تؤلف وحدة كلية. يعبركل جزء من المعانى عن جانب من المعنى المطلق لها، وهذا ما ذهب إليه أحد العلماء (د/دراز) حين قال: إن من وراء هذا الاختلاف الظاهر، تقاربا شديدا، بل صلة تامة فى جوهر المعنى، إذ نجد هذه المعاش تعود في نهاية الأمر، إلى ثلاثة معان، وإن التفاوت مرده إلى أصل الفعل من حيث التعدى بالنفس والتعدى بالغير.

فإذا تعدى الفعل بنفسه (دانه دينا) عنينا به أنه ملكه وحكمه وقهره وحاسبه وجازاه.

وإذا تعدى باللام، أردنا أنه أطاعه وخضع له، وكلمة الدين لله، يصح أن يفهم منها كلا المعنيين: الحكم لله أو الخضوع لله، وواضح أن هذا المعنى الثانى، ملازم للأول، ومطاوع له، وأنه دانه فدان له أى قهره فخضع وأطاع.

وإذا تعدى بالباء، دان بالشىء، كان معناه أنه اتخذه دينا ومذهبا، فهو الطريقة التى يسير عليها المرء نظريا وعمليا.

وجملة القول أن كلمة دين عند العرب تشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر، ويخضع له، فإذا وصف بها الطرف الأول كان خضوعا وانقيادا، وإذا وصفا بها الطرف الثانى كان أمرا وسلطانا وحكما وإلزاما، وإذا نظر بها إلى أمر الرباط الجامع بين الطرفين كانت الدستور المنظم لتلك العلاقة أو المظهر الذى يعبر عنها.

ومعنى كلمة دين بين الإطلاق والتقييد:

من الدلالة اللغوية لكلمة دين رأينا أن كل خضوع على وجه ما لشىء ما تقديسا وتقربا اليه، يسمى دينا، سواء أكان منشأ هذا الخضوع الوضع كما هو الحال فى معتقدات الوثنيين والصابئين والمجوس أو الوحى كما فى معتقدات أهل الكتاب والمسلمين.

وقد وسم القرآن كل معتقد بأنه (دين) حقا كان أم باطلا، ففى قوله تعالى: {قل ياأيها الكافرون. لا أعبد ماتعبدون} الكافرون:1 - 2، ختمها بقوله {لكم دينكم ولى دين} الكافرون:6، وقال تعالى {ومن يبتغ غيرالإسلام دينا فلن يقبل منه} آل عمران:85، فسمى كل معتقد غاير الإسلام بأنه دين ويرفض البعض إطلاق كلمة دين علي كل معتقد غاير الاسلام، وهم بذلك مصادمون لنصوص القرآن والسنة، بينما يرى آخرون: أن الكلمة إذا وردت محلاة باللام يراد بها الإسلام دون سواه، واستشهد بقوله تعالى {شرع لكم من الدين} الشورى:13.

وقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين} الشورى:21.

وأما إذا ذكرت منكرة، فإنها تحتمل الدين الحق والدين الباطل، وهذا غير صحيح، لأن الكلمة كما وردت منكرة يراد بها الدين الحق، الأديان الباطلة وردت معرفة كذلك بنفس المعنى قال تعالى: {هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} الصف:9.

والتمييز بين الحق والباطل يكون بالوصف الدين الإسلامى، الدين اليهودى، الدين الحق، الدين الباطل، أو بالاضافة إلى الله أو النبى أو المتبع أو المؤسس: (دين الله) من (دين) (البوذية).

أ. د/بكر زكى عوض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015