اصطلاحاً: يقصد بها حق الشعب فى أن يحكم نفسه بنفسه
وهو مصطلح مورث من العصر اليونانى، وكانت ممارسة الديمقراطية تتم فى عاصمة اليونان- أثينا- بأن يجتمع كل الناس فى كل مكان، وتعرض عليهم مسائل الحكم والسياسة، فيبدون رأيهم فيها، ويتخذون القرارات فى مختلف الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال مجلس واحد يمثلون فيه جميعا. كان ذلك بالإمكان، لأن عدد الناس كانوا قلة، وكان الأحرار فقط هم الذين يمارسون هذا الحق السياسى الهام، حق تسيير أمور الدولة والمجتمع الذى يعيشون فيه.
ولا شك أن الديمقراطية فى هذا الشكل الذى وجدت فيه هى أفضل الأساليب للحكم والإدارة؛ إذ تعنى أن إرادة الشعب هى أساس الحكم فى الدولة، وأن الناس يحكمون أنفسهم بأنفسهم، ولا توجد سلطة فوقهم تسوسهم كما تهوى.
ولا شك أن مثل هذا النظام يجعل الناس تشعر بأهميتها، وتبذل أقصى جهدها فى العمل والإنتاج، ويسود فيه ولاء كامل؛ إذ أن الحاكم والمحكوم سواء فى حقوق المواطنة، وفى تسيير أمور المجتمع.
ولكن بعد التطورات التى حدثت فى تكوين المجتمعات وتزايد الأعداد بنسب كبيرة لم يعد ممكناً جمع الناس كلهم فى مكان واحد ليمارسوا سلطة الحكم، ومن ثَمّ أفرزت الديمقراطية ما يعرف بالنظام النيابى.
وهو نظام يقوم على تأسيس مجالس للشورى، واتخاذ القرار فى الشئون التشريعية، والرقابة على شئون التنفيذ من ممثلين للشعب يختارهم بكامل إرادته عن طريق الانتخاب من المواطنين.
كما أن الديمقراطية أوجدت نظام الفصل بين السلطات حتى لا تركز السلطات الخاصة بالحكم فى شخص واحد أو فى جهاز واحد، وإنما يجب الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث تستقل كل سلطة فى ممارسة عملها عن السلطات الأخرى، مع وضع نظام للتعاون بينها، على أن تكون السلطة التشريعية هى المهيمنة على الشئون السياسية وأن تُعْطَى حقوق فى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ورقابة الإنفاق العام؛ بحكم أن القوانين التى تصدرها هى التى تحدد الأطر التى تسير وفقا لها باقى السلطات، بل هى التى تحكم الشعب كله الذى يجب عليه أن يطيع وأن ينفذ التشريعات التى تصدر عن البرلمان.
ويرتبط البرلمان والنظام التمثيلىّ بنظام الانتخاب، وبنظام الأحزاب وبالمجالس التشريعية، وهى أدوات ممارسة الديمقراطية فى المجتمعات الحديثة.
فلكى تتحقق الديمقراطية، يجب أن يمارس الشعب سلطته فى الترشيح والانتخاب للمجالس التشريعية، ويجب أن يكون من حق كل مواطن أن يرشح نفسه لهذه المجالس، وكذا أن ينتخب الأشخاص الذين يمثلونه فيها. وحتى إذا وضعت شروط للترشيح أو الانتخاب فيجب أن تكون شروطاً عامة يجب أن تتوافر فى الجميع دون تمييز بين أحد بسبب الجنس أو الدين أو اللون، ويجب أن تكفل عمليات الترشيح والانتخاب التعبير عن إرادة الشعب الحقيقية دون تزييف أو تزوير.
والشروط العامة تتصل عادة بالوصول إلى حد أدنى من السن أو التمتع بجنسية الدولة أو إجادة القراءة والكتابة، إلى غير ذلك من الشروط العامة.
وقد وُجِّهت العديد من السهام إلى الديمقراطية على أساس أن الأحزاب تحتكر عملية التمثيل، وأنها هى نفسها تخضع لسيطرة رأس المال الذى يشترى الأصوات ويؤثر فى إرادة الناخبين ويحتكر الترشيح للمجالس وللوظائف الهامة، وهو نقد صحيح. كما أن من أخطر عيوب الديمقراطية أن فئة جاهلة يمكن أن تؤثر على أعمال هامة مثل عمليات التشريع والحكم والإدارة، مما يجعل النخبة العالمة والمثقفة تزهد فى دخول هذا المجال، وهو نقد صحيح بدوره، وإن كان مثل هذا النقد لا يمنع القول بأن هذا النظام هو أفضل الأنظمة المتاحة للحكم فى الوقت الحاضر.
أ. د/ جعفر عبد السلام