لغة: اسم من الفعل (دعا) ومعناها: مطلق الطلب لأى شىء حسى كطعام أو معنوى كفكرة (1) وعند ابن فارس: هى فن الإمالة للجمهور نحو شىء معين بأى وسهيلة متاحة. (2).
واصطلاحا: ورد فى تعريفها عدة تعريفات منها:
"العلم الذى به تعرف كافة المحاولات الفنية المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام بما حوى من عقيدة وشريعة وأخلاق (3).
أو هى "تبليغ الإسلام للناس وتعليمهم إياه وتطبيقه فى مواقع الحياة " (4) أو "هى برنامج كامل يعم جميع المعارف التى يحتاج إليها الناس ليبصروا الغاية من محياهم وليستكشفوا معالم الطريقة التى تجمعهم راشدين. (5)
أو هى فن يستميل الناس إلى الإسلام بالوسائل المناسبة ليتعلموه ويطبقوه فى واقع الحياة".
والدعوة بهذا المفهوم:
إما أن نتوجه بها إلى غير المؤمنين بالإسلام لنكشف لهم عن محاسن هذا الدين واستقامة عقيدته ونبل مقاصده وعظمة تشريعاته وغالبا ما يكون ذلك فى المجتمعات غير الإسلامية كأوربا وأمريكا وغيرها.
وإما أن نتوجه بها إلى المؤمنين به والمعتنقين له لنأخذ بأيديهم ونبصرهم حتى يعملوا بمقتضى مبادى هذا الدين ويسيروا على نهجه الذى اختاروه فى العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والمعاملات.
وعلى كل فإن كلمة الدعوة من الألفظ المشتركة التى تطلق على الإسلام كدين وعلى عملية نشره وتبليغه للناس، وسياق الكلام هو الذى يحدد المعنى المراد فمثلا إذا قيل: هذا من رجال الدعوة إلى الله كان معنى الدعوة هنا محاولات النشر والتبليغ، وإذا قيل: اتبعوا دعوة الله كان المراد الإسلام.
وإذا ذكرت على إطلاقها فإنها تنصرف عرفا إلى محاولة نشر الإسلام وتبليغه للعالمين، وهو المعنى الذى تواردت عليه معظم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وخير من قام بتبليغ الدعوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أعده الله لها وهيأه لحملها ثم كلفه بتبليغها حين نزل عليه قوله تعالى: {ياأيها المدثر. قم فأنذر} المدثر:1 - 2.
فبدأ النبى صلى الله عليه وسلم دعوته سرا يدعو كل من وثق فيه إلى عبادة الله، وكان يلتقى بالأولياء والأصدقاء المقربين، وكان أول من آمن به من النساء زوجته، ومن الصبيان على بن أبى طالب، ومن الموالى زيد بن حارثه، ومن الرجال أبو بكر الصديق الذى أسلم على يديه كثير من الأحرار والعبيد، وظلت الدعوة سرية حوالى ثلاث سنوات أسلم فيها ثلاثة وخمسون شخصا بينهم عشرنساء. (6).
وإنما كانت الدعوة خفية ابتداء لتتكون خلية الإسلام، فالخلايا يكون بذر البذور فيها بالكتمان؛ لأن الجهر يبددها قبل أن تتكون حتى يبدو عودها ويتكون سوقها، فكل فكرة جديدة لابد أن تلتقى حولها قلوب مؤمنة بها، ويكون بعد ذلك إعلانها والمجاهرة بها.
ولم تكن السرية فى هذه الدعوة استخفاء بالدعوة فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يعلن ما جاء من نذير وما عنده من تبشير ولكن الذى كان يستخفى به هو إقامة العبادة ومدارسة الاسلام فى دار الأرقم بن أبى الأرقم. (7).
ومكث عليه الصلاة والسلام يدعو سرا حتى نزل عليه قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء:214.
وقوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} الحجر:94.
فبدل بالدعوة سرا الدعوة جهرا ممتثلا أمر ربه واثقا بنصره ووعده.
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشيرته الأقربين، فصعد على الصفا فجعل ينادى: يا بنى فهر، يا بنى عدى، يا بنى عبد مناف، ثم نادى بطون قريش حتى اجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج ارسل رسولا لينظر الخبر فجاء أبولهب بن عبد المطلب وقريش فقال عليه الصلاة والسلام: (أرايتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغيرعليكم أكنتم مصدقى؟ قالوا: نعم ماجربنا عليك كذبا، قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، فقال أبولهب تبالك ألهذا جمعتنا) فأنزل الله شأنه: {تبت يدا أبى لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب} المسد:1 - 3 (8)؛ وهكذا دمغه الوحى بهذه الآيات البينات التى كانت بمثابة التشجيع للنبى صلى الله عليه وسلم ليستمر فى دعوته ويمضى إلى غايته، فكانت حافزا قويا على النشاط فى إذاعتها والمضى فى سبيل انتشارها، كما كانت سابقة فأل ومقدمة بشارة بأن الله سينصر الحق على الباطل ويتم نوره ولو كره المشركون.
وقد وجه النبى صلى الله عليه وسلم دعوته فى السر والجهر بإصرار وثبات، وصادف من بيئته جمودا ومعارضة تمثلت فى ردود فعل مختلفة أقلها تعذيب أتباعه، ثم مقاطعتهم ثم محاولة قتله بوصفه صاحب اللواء فإذا سقط انتهت دعوته ولكن الله عصمه، ونصره بالهجرة وامتن عليه بالفتح حتى إذا صار للإسهلام الكلمة العليا في الجزيرة العربية، فاضت الوحدانية بالنور إلى الأقاليم المجاورة إقليما بعد إقليم.
أ. د/خليفة حسين العسال