يقصد بالدستور القانون الأساسى الذى يوضح النظام السياسى الذى تتبناه الدولة والسلطات الرئيسية التى تمارس مهمة الحكم فيها، والعلاقة بين هذه السلطات، كما يتضمن الدستور المبادئ العامة التى يجب أن تسير عليها هذه السلطات، مغفلاً عن حقوق الأشخاص وواجباتهم.
وبعبارة أخرى فهو الوثيقة الرئيسية التى تحكم عمل سلطات الدولة وتوجه السياسات التشريعية والتنفيذية والقضائية التى يجب أن تتبع فى كل دولة.
فبداية يوضح الدستور شكل الدولة إذا كانت ملكية أو جمهورية مثلا، كما يوضح النظام السياسى الذى تقدم عليه، فكثير من الدول تتبنى النظام الاشتراكى، وتتبنى غيرها النظام الرأسمالى، وهكذا. وتوضح نصوص الدساتير فى جملتها ما إذا كانت الدولة تأخذ بالنظام الرئاسى الذى يجعل رئيس الدولة هو حجر الزاوية فى النظام السياسى، وتجعل السلطة التنفيذية كلها بيديه، كما نرى فى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، أم أن الذى يمارس الحكم هو الحكومة المشكلة من الحزب صاحب الأغلبية فى البرلمان، وضرورة أن تكون هذه الممارسة بالتعاون بين الحكومة والبرلمان. فالنظام الأول يسمى النظام الرئاسى، والنظام الثانى، يسمى النظام البرلمانى. توضح الدساتير المعالم الرئيسية للنظام السياسى الذى تقوم عليه الدولة.
وقد استقرت دساتير معظم الدول، إن لم يكن كلها الآن- على ضرورة وجود سلطات ثلاث للحكم هى السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. وتقر الدساتير مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، مع وجود قدر من التعاون بينها، يختلف من دولة إلى دولة، ومن نظام إلى نظام.
وتبين الدساتير المقدمات الأساسية التى يقوم عليها نظام الدولة كاحترام الأسرة وجعلها الخلية الأساسية للمجتمع كما نرى فى الدستور المصرى، والاعتراف بالملكية الفردية واحترامها، واحترام الأديان وعدم المساس بقدسيتها، إلى غير ذلك من المقومات.
ويعتبر إقرار حقوق الأفراد وواجباتهم، من أهم الأمور التى تتولاها الدساتير واضعة بذلك الخطوط الرئيسية لهذه الحقوق والواجبات، تاركة للتشريعات والقوانين المختلفة، مهمة تفصيل مدى الحقوق والقيود التى توضع على ممارستها. ولم يعد هناك دستور لا يتضمن النص على حق الحياة وحمايته، وحرية الرأى بضماناته، وحرية العقيدة، واحترام الحقوق المتصلة بممارستها فضلا عن ضمانات تحقيق العدالة فى المجتمع.
وتحرص مختلف الدساتير على جعل القضاء سلطة حامية للحقوق وحريات المجتمع واضعة الضمانات التى تمكنه من ممارسة هذه المهمة الجليلة فى المجتمع. وكثيرا ما يقال إن الدولة الإسلامية لم تعرف دستورا، كما يقال كثيرا إن القرآن هو دستور الدولة الإسلامية. وهذه الأقوال لا تعبر عن الحقيقة. لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما ذهب إلى المدينة وقام ببناء الدولة بها، وضع دستورا مكتوبا نجده بنصه فى سيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام أى لم ينقل عن طريق الراوية وإنما يرجح أنه كتب على وسيط مما كانت تكتب عليه الأمور الهامة وانتقل إلينا بهذا الشكل. ويطلق تاريخيا على هذا الدستور مصطلح "الصحيفة". وتروى الكتب أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: جمع القبائل وبطون الطوائف التى كانت تعيش فى المدينة من مهاجرين وأنصار ووثنيين ويهود فى منزل دمنة بنت الحارث- وكانت يهودية- وجلسوا جميعا فى فناء هذا المنزل الفسيح وقرأ عليهم الصحيفة وأقرها- وهى من حيث النشأة- أتى بها الاتفاق الصريح بين أهل المدينة- ومن حيث مضمون ما وجد بها من مسائل دستور كامل. فقد أوضحت من يملك مهام السلطات الثلاث، كما أوضحت عناصر بناء الدولة من إقليم وشعب وسلطة، وأوضحت كذلك حقوق وواجبات من يتلو أحكام الصحيفة، والمهم أنها جعلت الصحيفة الأساس لقيام هذا المجتمع وممارسة سلطاته فى وقت لم يكن المجتمع الدولى قد عرف ذلك. لأن الصحيفة وضعت فى العام الأول للهجرة.
أ. د/ جعفر عبد السلام