لغة: مصدر"جددّ الشيء أى صيّره جديدا" كما فى لسان العرب (1).
ومفهوم التجديد: الاحتفاظ بالقديم، وترميم ما بلى منه، وإدخال التحسين عليه، "لأن التجديد إنما يكون لشيء قديم " (2).
وفى الحديث الشريف "إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ومعناه: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما، وتبيين السنة من البدعة، ونصرة أهل السنة وكسر أهل البدعة (3).
واصطلاحا: فى الفقه: هو تنميته من داخله وبأساليبه هو مع الاحتفاظ بخصائصه الأصيلة وبطابعه المميز، (4) وإعطاء إجابات إسلامية على مشاكل العصر وما يستجد من قضايا ومعضلات (5).
ويكون بوصل الفقه بالحديث، والمقارنة بين المذاهب، وبين الفقه والقانون، ورعاية أقوال الصحابة والتابعين (6) واستخدام القواعد باستنارة كقاعدة (أينما وجدت المصلحة فثَمّ شرع الله)، وقاعدة (المعاملات طلق) وإعادة النظر فى مسائل الأصول التى لم يرتفع الخلاف فيها بعد (7).
ومما تم فى هذا المجال. قانون الوصية الواجبة، وإصلاح الأحكام التقليدية للأسرة، وتكوين نظرية التعسف فى استعمال الحق. ولعل قاعدة المصلحة هى التى سوغت تحريم زواج الصغار، ووجوب توثيق الزواج فى القانون الإيرانى).
ثانياً: فى التفسير (المحتفظ بالأصول القديمة): عبارة عن الإفادة من مستحدثات المدنية الجديدة، وحسن تطبيق المفاهيم القرآنية على ما يشغل الناس فى العصور الحديثة، بالتوسع فى المعنى، وبحمل الشبيه على الشبيه، والاهتمام بالتمدن الإسلامى، والسياسة، وقضية المرأة، ومسألة الإصلاح الاقتصادى، والجانب التهذيبى (8).
ومن التجديد: التفسير الموضوعى، وهو الذى تجمع فيه الآيات ذات الموضوع المقصود
لفهمه وتفسيره بشكل صحيح كامل. ومنه: التفسير الأدبى النفسى، وهو الذى يتم فيه إحراز معان متجددة، عن طريق الحس اللغوى والدلالة الأولى للكلمة فى عصر نزول القرآن. ومنه ما استفيد فيه بعلم طبقات الأرض وغزو الفضاء وعالم البكتريا وغيرها، أسوة بما تضمنه التفسير منذ عصوره الأولى من آراء مستقاة من علوم الطب والهندسة والهيئة والجدل (9).
وثالثاً: فى الأدب: وهو ماثل فى المسرحية والرواية والقصة القصيرة، وما يحكم هذه الفنون الجديدة من قواعد للآداب العالمية الحديثة بجانب جذور تراثية عربية.
واستجدت فى القصيدة العربية موضوعات وصور وأخيلة. واخترعت "قصيدة النثر" وهى لا صلة لها بتاتا بالشعر العربى بمفهومه الأصيل، وتعتمد على بعض الصور الخيالية الغربية، وظهر "الشعر الحر" وهو- وإن لم يقطع صلته تماماً بعروض الخليل لا يلتزم طولا واحدا ولا قافية واحدة ولا شكلا منتظما للتقفية.
واستتبع التجديد دراسات أدبية ونقدية تحدد القواعد الفنية للمسرحية والرواية والقصة القصيرة، وتتحدث عن التطورات التى طرأت على القصيدة العربية الحديثة. وأصبحت الدراسات الأدبية غاية، ووُصِلَتْ بعلم النفس، وعادت على نفسها بالنقد لبعض المسَلَّمات فى الفهم والنقد والتاريخ الأدبى، وتحولت دراسة البلاغة والنحو إلى الطريقة الذوقية الفنية (10).
رابعاً: فى الحركات الإسلامية الحديثة:
1 - فى الحركة الوهابية، فهى دعوة إلى تنقية مفهوم الإسلام والفكر الإسلامى من مفاهيم الجبرية والحلول والاتحاد فى (العقيدة)، ومفاهيم التقليد فى مجال (الفقه والشريعة).
2 - وفى الحركة السنوسية، فهى دعوة إلى تنقية (العقيدة) من الشوائب، وتطهير (السنن المحمدية) من الأساطير، والمزج بين (المذاهب الفقهية) الأربعة والإضافة إليها من المذاهب التى لم يعد لها أتباع، ومن المستنبطات الجديدة من السنة، والاعتماد على الإطار (الصوفى) المؤسس على الكتاب والسنة.
3 - وفى الحركة السلفية، حركة الإصلاح الفكرى والدينى، فهى دعوة إلى التضامن الإسلامى، والتأليف بين السنة والشيعة، ومقاومة، الإمبريالية الأوروبية عن طريق العودة إلى الإسلام، فى وضع حديث علمى الطابع، والتوفيق بين الدين والعلم، وفتح باب الاجتهاد، وتنوير المهمة التربوية (11).
هذا وما يسمى تجديدا فى الشرق الإسلامى ما هو إلا تقليد لفكر الغرب، وقد يكون تقليدا محرفا وهو تطرف تلتمس فيه حضارة الغرب دون التقيد بالقيم الإسلامية والتراث.
أ. د/ عبد الغفور محمود مصطفى