لغة: التَّوْلَية، وعَقدها (كما فى اللسان).
واصطلاحاً: البيعة عقد بين ولى الأمر وجمهور المسلمين يتضمن اختياره للقيام بمهام الخلافة، أى رياسة الدولة الإسلامية فى الشئون الدينية والشئون الدنيوية.
وقد تمت فى المجتمع الإسلامى قبل أن يتحول إلى دولة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونفر من الأنصار على ما رأينا فى بيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، وكان موضوع البيعة الأولى هو إقناع طائفة من الأنصار بالإسلام ودخولهم فيه، وكان موضوع البيعة الثانية هو مناصرة الأنصار للنبى- - صلى الله عليه وسلم - - وتأييدهم لدعوته، ومنع أى اعتداء يقع عليه. لذا فإن مفهوم العقد الاجتماعى كان واضحا فى هاتين البيعتين، إذ كانتا تعتمدان لبناء الدولة فى المدينة، ومناصرة نبى الإسلام فيها.
ومع ذلك فإن عقد البيعة صار بعد ذلك الأساس الضرورى لشرعية الحكم الإسلامى. حيث يختار أهل الحل والعقد من يرونه صالحا من المسلمين لتولى أمورهم، ثم يبايعونه على الإمارة، وبعد ذلك يقوم المسلمون جميعًا بالمبايعة، ولا يمكن أن تكون التولية صحيحة إلا بالبيعة لذلك كان كل الحكام فى تاريخ الدولة الإسلامية، يحرصون على الحصول على البيعة، حتى لو كانت إمارتهم قد تمت بالاستيلاء والمغالبة، فقد اعتبرت البيعة السند الشرعى لأى حاكم يختار من المسلمين لحكم الدولة الإسلامية. ونلاحظ أن عقد البيعة يتضمن دائما الشروط التى قبل المسلمون بمقتضاها تولية الحاكم، فقد كان الخليفة أو الإمام يعلن عن هذه الشروط، وإن اعتبرت معلنة ضمنًا بعد عصر الخلافة الراشدة. يقول أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بعد أن بايعه المسلمون على الخلافة: "أما بعد: أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه .. أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم ".
ويمكن أن نستخرج من هذا الخطاب شروط البيعة، فهذه لا تعطى الحاكم سلطة مطلقة كما يعتقد البعض، وإنما سلطات مقيدة. فالخليفة أولاً ملتزم بتنفيذ أحكام الشريعة "أطيعونى ما أطعت الله ورسوله"، والمسلمون لهم حق المراقبة لأعمال الحاكم "فإن أسأت فقومونى" بل لهم أن يعزلوه إن أساء وخالف أحكام الإسلام. فهناك إعلان آخر هام بالمساواة بين عناصر الأمة، وتطبيق العدل بين كل الناس بصرف النظر عن قوة أو ضعف المحكوم.
والبيعة هى الأسلوب الذى يمارس به الأفراد حقهم فى اختيار من يحكمهم،
وبالتالى فهى نظام بديل عن أنظمة الانتخاب التى تعرفها الديمقراطيات الحديثة، أسلوب كان يتناسب مع ظروف الدولة الإسلامية فى عصر نشأتها، وبالتالى فالعلماء والفقهاء لا يمانعون بين تطبيق البيعة- وتعنى حرية
الاختيار التعاقدى- بأى أسلوب آخر.
أ. د/ جعفر عبد السلام