المعنى اللغوى
جاء فى المصباح: أجل الشىء مدته ووقته الذى يحل فيه، وهو مصدر أجل الشىء أجلا من باب تعب، وهو من باب قعد لغة، وأجلته تأجيلا من باب جعلت له أجلا.
وجاء فى القاموس: الأجل محركة غاية الوقت فى الموت، وحلول الدين، ومدة الشىء. وجمعه آجال، والتأجيل تحديد الأجل واستأجلته فأجلنى إلى مدة.
واستعمال الفقهاء للفظ أجل لا يخرج عن بعض الاستعمالات اللغوية، فإنه يدور فى اصطلاحاتهم بمعنى المدة، وبمعنى نهاية الوقت، وبمعنى حلول الدين، وهم يستعملون كلمة التأجيل أيضا بالمعنى اللغوى، وقد جاء الأجل فى القرآن بمعنى مدة العدة فى قول الله سبحانه وتعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ((?) . والمراد مدة تربصهن طوال مدة الحمل حتى تمام الوضع. وجاء بمعنى نهاية المدة المضروبة فى قوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ((?) وغير ذلك من المعانى التى بينتها اللغة.
اشتراط العلم بالأجل
والخلاف فيما يعتبر منه معلوما أو مجهولا
اتفق الفقهاء على اشتراط العلم بالأجل فى العقود مع اختلاف فيما يكون به الأجل معلوما وإليك التفصيل فى المذاهب:
مذهب الحنفية:
قال الميرغينانى فى "الهداية" (?) : ولابد فى الأجل أن يكون معلوما لأن الجهالة فيه مانعة من التسليم الواجب بالعقد. وعلق البابرتى على ذلك بقوله (?) : لابد أن يكون الأجل معلوما كى لا يقضى إلى ما يمنع الواجب بالعقد وهو التسليم والتسلم فربما يطلب البائع فى مدة قريبة والمشترى يؤخر إلى مدة بعيدة. وقال الكمال بن الهمام (?) : ولأنه عليه الصلاة والسلام فى موضع شرط الأجل وهو السلم أوجب التعيين حيث قال: من أسلف فى تمر فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وعلى ذلك انعقد الإجماع.
وقال الكاسانى فى باب الإجارة (?) : يتحقق الأجل ببيان المدة سواء قصرت أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن تكون المدة مع معلومة، سواء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم يعين، ويتعين الزمان الذى يعقب العقد لثبوت حكمه، ولا يلزم التعيين صراحة لأن التعيين قد يكون نصا وقد يكون دلالة. وفى مثل قولنا يوم أو شهر أو سنة وجدت دلالة التعيين من وجهين: أحدهما أن الإنسان إنما يعقد الإجارة للحاجة، والحاجة عقيب العقد قائمة، والثانى: أن العقد يقصد بعقده الصحة ولا صحة لهذا العقد إلا بالصرف إلى الشهر الذى يعقب العقد فيتعين. فإن وقع العقد فى غرة الشهر يقع على الأهلة بلا خلاف عند الأحناف حتى لو نقص الشهر يوما فى عقد إجارة مثلا كان عليه كمال الأجرة لأن الشهر اسم للهلال، وإن وقع بعد ما مضى بعض الشهر. ففى إجارة الشهر يقع على ثلاثين يوما بالإجماع لتعذر اعتبار الأهلة فتعتبر بالأيام، وفى إجارة الشهور هناك روايتان عن أبى حنيفة: إحداهما اعتبار الشهور كلها بالأيام، والثانية اعتبار تكميل الشهر الأول بالأيام من الشهر الأخير والباقى بالأهلة ". ثم قال الكاسانى نقلا عن الأصل: أنه إذا استأجر سنة أولها هذا اليوم وهو لأربعة عشر من الشهر - أى بقين- فإنه يسكن بقية هذا الشهر وأحد عشر شهرا بالأهلة وستة عشر يوما من الشهر الأخير. وقال الكاسانى: وهذا الأخير هو قول أبى يوسف ومحمد، ووجهه أن اسم الشهور للأهلة إذ الشهر اسم للهلال لغة إلا أنه لا يمكن اعتبار الأهلة فى الشهر الأول فاعتبر فيه الأيام ويمكن فيما بعده فيعمل بالأصل: ووجه الرواية الأولى أن الشهر الأول يكمل بالأيام بلا خلاف، وإنما تكمل الأيام من الشهر التالى، فإذا أكمل منه يصير أوله بالأيام فيكمل من الذى يليه وهكذا.
وجاء فى التنوير وشرحه (?) : " أن ابتداء الأجل فى البيع من وقت التسليم- إذا لم يكن هناك خيار. ولو كان فيه خيار فمن وقت سقوط الخيار عند أبى حنيفة، وعلق ابن عابدين على ذلك بقوله: لأن ذلك وقت استقرار البيع. وجاء فى التنوير وشرح وحاشية ابن عابدين (?) : لا يصح البيع بثمن مؤجل إلى مجهول كى لا يفضى ذلك إلى النزاع. وقال ابن عابدين: إن من جهالة الأجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدى الثمن إليه فى بلد آخر ولو قال: إلى شهر على أن يؤدى الثمن فى بلد آخر جاز بألف إلى شهر ويبطل الشرط، ومنها اشتراط أن يعطيه الثمن مفرقا أو كل أسبوع البعض فإن لم يشترط فى البيع بل ذكر بعده لم يفسد. وجاء فى موضع آخر (?) : لا يصح البيع بثمن مؤجل إلى النيروز. وهو أول يوم من الربيع. ولا إلى يوم المهرجان أول يوم من الخريف. ولا صوم النصارى أو اليهود وفطرهم إذا لم يدر شيئا من ذلك المتعاقدان فلو عرفه جاز بخلاف فطر النصارى بعد ما شرعوا فى صومهم للعلم به، ولا يصح التأجيل إلى قدوم الحاج والحصاد للزرع والدياس للحب والقطاف للعنب لأنها تتقدم وتتأخر، ولو باع مطلقا عن الآجال ثم أجل الثمن إليها صح التأجيل.
وعلق ابن عابدين على ذلك بأنه يفيد أن ما ذكره من الفساد بهذه الآجال إنما هو إذا ذكرت فى أصل العقد بخلاف ما إذا ذكرت بعده كما لو ألحقا بعد العقد شرطا فاسدا، وجاء فى موضع آخر (?) أن الآجال على ضربين: معلومة ومجهولة. والمجهولة على ضربين: متقاربة كالحصاد ومتفاوتة كهبوب الريح فالثمن العين يفسد بالتأجيل ولو معلوما والدين لا يجوز لمجهول لكن لو جهالة متقاربة وأبطله المشترى قبل محله وقبل فسخه للفساد انقلب جائزا لا لو يعد مضيه. أما لو متفاوتة وأبطله المشترى قبل التفرق انقلب جائزا ثم قال: ونقل الحصكفى فى موضع آخر عن البعض أن إبطاله فى التفرق شرط فى المجهول جهالة متقاربة كالحصاد وعلق على ذلك بأنه خطأ.
وفى الهداية وشروحها (?) : لا يجوز السلم إلا بأجل معلوم لقوله عليه السلام: " من أسلف ... الحديث " ولأن الجهالة فى الأجل مفضية إلى المنازعة فهذا يطالبه فى مدة قريبة وذلك يؤديه فى بعيدها.
مذهب المالكية:
قال خليل والدردير فى باب السلم (?) : يشترط أن يكون الأجل بمعلوم للمتعاقدين ولو حكما كمن لهم عادة بوقت القبض. وعلق الدسوقى على ذلك بقوله: يشترط فى الأجل أن يكون معلوما ليعلم منه الوقت الذى يقع فيه قضاء المسلم فيه ومثل خليل والدردير للأجل المعلوم بالنيروز والحصاد والدراس وقدوم الحاج والصيف والشتاء. وقال الدردير: إن فى ذلك إشارة إلى أن الأيام المعلومة كالمنصوصة. وعلق الدسوقى على ذلك بقوله: إن الأيام المعلومة للمتعاقدين كالمنصوصة، والأيام المعلومة مثل خذ هذا الدينار سلما على إردب قمح إلى النيروز أو إلى عاشوراء أو لعيد الفطر أو لعيد الأضحى أو لمولد النبى صلى الله عليه وسلم، والحال أنهما يعلمان أن النيروز أول يوم من شهر توت وأن عاشوراء عاشر يوم من شهر المحرم، وأن مولد النبى صلى الله عليه وسلم ثانى عشر ربيع الأول وهكذا. والمنصوصة كخذ هذا الدينار سلما فى أردب قمح إلى أول شهر رجب أو آخذه منك بعد عشرين يوما.
ثم قال خليل والدردير (?) : إن الأشهر إذا ضربت أجلا تحسب بالأهلة إن وقع العقد فى أولها فإن وقع فى أثناء شهر من ثلاثة مثلا حسب الثانى والثالث بالهلال وتمم الأول المنكسر بثلاثين يوما من الرابع، وهذا يوافق الرواية الثانية التى نقلناها عن أبى حنيفة.
ويقولان أيضا (?) : وجاز عدم بيان الابتداء لمكتر شهرا أو سنة مثلا من غير ذكر مبدأ، وحمل من حين العقد وجيبة- أى مدة محدودة- أو مشاهرة، فإن وقع على شهر فى أثنائه فثلاثون يوما من يوم العقد، وجاز الكراء مشاهرة وهو عبارة عما عبر فيه بكلمة كل نحو كل شهر بكذا أو كل يوم أو كل جمعة أو كل سنة.
ثم قال الدردير (?) : فإن بين المبدأ، وإلا فمن يوم العقد. وقال خليل والدردير: ويجوز أن يقول هذا الشهر أو هذه السنة أو شهرا بالتنكير، أو إلى شهر كذا أو إلى سنة كذا أو إلى يوم كذا كل ذلك وجيبة تلزم بالعقد نقد أو لم ينقد ما لم يشترطا أو أحدهما الحل عن نفسه متى شاء.
وعلق الدسوقى على قول الدردير: "فإن وقع العقد على شهر.. إلخ ". فقال: إن وقع العقد على شهر وكان العقد فى أول الشهر لزمه كله على ما هو عليه من نقص أو تمام، وكذا السنة إذا وقع العقد عليها فإن كان فى أول يوم منها لزمه اثنا عشر شهرا بالأهلة، وإن كان بعد ما مضى من السنة أيام لزمه أحد عشر شهرا بالأهلة وشهر ثلاثون يوما. وقال الدسوقى فى التعليق على اشتراط العلم بالأجل فى باب السلم (?) : إن الأجل المجهول لا يجوز للغرر. وقال الدردير: لا يجوز التأجيل فى السلم إلى ما لا يجوز التأجيل فى البيع إليه. ومثل لذلك الدسوقى بمدة التعمير وقال: إن تأجيل الثمن أو المثمن إليها مفسد للعقد.
مذهب الشافعية:
يقول الشافعى- رضى الله عنه- فى الآجال فى السلف والبيوع (?) : إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من سلف فليسلف فى كيل معلوم وأجل معلوم" يدل على أن الآجال لا محل لها إلا أن تكون معلومة، وكذلك قال الله جل شأنه: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (.
فلهذا اشترط الشافعية كغيرهم كون الأجل معلوما. جاء فى المنهاج وشرحه (?) : يشترط العلم بالأجل. فلو لم يكن معلوما لم يصح ويدخل فى العلم ما إذا قال: إلى أول رمضان أو إلى آخره على الصحيح. قال الشارح: وقد سوى الشيخ أبو حامد بين التأجيل إلى رمضان أو إلى غرته أو إلى هلاله أو إلى أوله فإن قال إلى أول يوم من الشهر حل بأول جزء من أول اليوم وقال (?) : لا يصح السلم مع جهالة الأجل كالسلم إلى الحصاد واليسرة - أى وقت يسار الناس عادة- وقدوم الحاج وطلوع الشمس. أى ظهور ضوئها لأن الضوء قد يستره الغيم. ولم يريدا وقتهما المعين، ونحو أول رمضان أو أخره لوقوعه على نصفه الأول أو الآخر كله. ونقل عن الإمام البغوى أن ذلك ينبغى أن يصح ويحمل على الجزء الأول من كل نصف وقال السبكى: إنه الصحيح، ونقله الأوزاعى وغيره عن نص الأم وقال: إنه الأصح نقلا ودليلا. وقال الزركشى: إنه المذهب، ثم قال صاحب شرح المنهاج: ولو أجل بقوله فى رمضان لا يصح لأنه جعل جميعه ظرفا فكأنهما قالا: يحل فى جزء من أجزائه وهو مجهول.
ويقول قليوبى (?) : الأجل بالنيروز صحيح وهو نزول الشمس أول برج الميزان وهو نصف شهر توت القبطى والمشهور الآن أنه أوله، وكذا بالصليب وهو سابع عشر شهر توت، وبالمهرجان وهو نزول الشمس أول برج الحمل وهو نصف شهر برمهات وقال فى حاشية قليوبى (?) : لا يجوز بفصح النصارى ولا بفطير اليهود- وهما عيدان لهما- كما نص عليه الشافعى رضى الله عنه لاختلاف وقتيهما. قال بعضهم: ولعل ذلك كان فى زمنه وإلا فهما الآن فى زمن معين عندهم. ونرد بأن وقتهما قد يتقدم ويتأخر كما يعرفه من له إلمام بحساب القبط.
وقد رجعنا إلى كتاب الأم للشافعى فى هذا فإذا هو يقول (?) : ولا يصلح بيع إلى العطاء ولا حصاد ولا جداد ولا عيد النصارى وهذا غير معلوم لأن الله حتم أن تكون المواقيت بالأهلة فيما وقت لأهل الإسلام. فقال جل ثناؤه: (يسألونك عن الأهلة ((?) ، وساق جملة آيات ثم قال: فأعلم الله بالأهلة جمل المواقيت والأهلة مواقيت الأيام ولم يجعل علما لأهل الإسلام إلا بها فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم الله. وقال: ولو لم يكن هذا هكذا ما كان من الجائز أن تكون العلامة بالحصاد والجداد بخلافه. وخلافه قول الله عز وجل: (أجل مسمى (والأجل المسمى ما لا يختلف، والعلم يحيط أن الحصاد والجداد يتقدمان ويتأخران بقدر عطش الأرض وريها وبقدر برد الأرض والسنة وحرها، ولم يجعل الله فيما استأخر أجلا إلا معلوما.
والعطاء موكول إلى السلطان يتأخر ويتقدم، وفصح النصارى عندنا يخالف حساب الإسلام ويخالف ما أعلم الله به فلو أجزناه إليه أجزناه على أمر مجهول فكره لأنه مجهول وأنه خلاف ما أمر به الله ورسوله أن يتأجل فيه ولم يجز فيه إلا قول النصارى على حساب يقيسون فيه أياما فكنا إنما أعلمنا فى ديننا بشهادة النصارى الذين لا نجيز شهادتهم على شىء وهذا عندنا غير حلال لأحد من المسلمين، ثم أيد ذلك بما رواه عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا تبيعوا إلى العطاء ولا إلى الأندر - أى البيدر وهو موضع دراس القح- ولا إلى الدياس. ثم قال: إن رجلا لو باع إلى العطاء أو الجداد أو الحصاد كان فاسدا. وجاء فى المنهاج وشرحه (?) : إن أطلق المتعاقدان فى السلم الشهر حمل على الهلالى وهو ما بين الهلالين وإن اضطرد عرفهم بغير ذلك إذ هو عرف المشرع، وقيده الأوزاعى كما فى حاشية الرشيدى بما إذا لم يجر العرف بخلافه. والذى فى حاشية قليوبى.. إلخ. " أنه إن أطلق الشهر حمل على الهلالى.، وإن خالف عرف العاقدين ثم قال صاحب المنهاج وشارحه: هذا إن عقد أول الشهر فإن انكسر شهر بأن وقع العقد فى أثنائه وكان التأجيل بشهور حسب الباقى بعد الأول بالأهلة وتمم الأول ثلاثين يوما ولا يلغى المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد. نعم لو عقدا فى يوم أو ليلة آخر الشهر اكتفى فى الأشهر بعده بالأهلة وإن نقص بعضها ولا يتمم الأول مما بعدها لأنها مضت عربية كوامل هذا إن نقص الشهر الأخير وإلا لم يشترط انسلاخه بل يتمم منه المنكسر ثلاثين يوما لتعذر اعتبار الهلال فيه حينئذ.
وعلق الشبراملسى على قول الرملى فى شرج المنهاج: " هذا إن نقص الشهر الأخير بأن الإشارة بكلمة هذا ترجع إلى الاكتفاء بالأهلة بعد يوم العقد، ومفاد ذلك أنهم يقولون بأنه إذا عقد المتعاقدان فى يوم أو ليلة أخر الشهر لا يكتفى بالأشهر بعده إلا إذا كان الشهر الأخير ناقصا فإن لم يكن ناقصا يتمم منه المنكسر ثلاثين يوما تحسب بالأيام بالنسبة للشهر الذى وقع العقد فى أخر يوم أو ليلة منه.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة (?) : لابد من كون الأجل معلوما، لقوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: " إلى أجل معلوم ".
ولا نعلم فى اشتراط العلم فى الجملة اختلافا. فأما كيفيته فإنه يحتاج أن يعلم بزمان بعينه لا يختلف. ثم قال (?) : إذا جعل الأجل إلى شهر تعلق بأوله وإن جعل الأجل اسما يتناول شيئين كجمادى وربيع ويوم النفر تعلق بأولهما، وإن قال: إلى ثلاثة أشهر انصرف إلى انقضائها لأنه إذا ذكر ثلاثة أشهر مبهمة وجب أن يكون ابتداؤها من حين لفظه بها، وكذا لو قال إلى شهر كان الأجل إلى أخره وينصرف ذلك إلى الأشهر الهلالية بدليل قوله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم ((?) وأراد الهلالية، وإن كان فى أثناء شهر كانا شهرين بالهلال وشهرا بالعدد ثلاثين يوما، وقيل: تكون الثلاثة كلها عددية، وإن قال محل الأجل شهر كذا أو يوم كذا صح وتعلق بأوله.
ثم قال (?) : أكون الأجل معلوما بالأهلة أمر لا خلاف فى صحة التأجيل به وذلك نحو أول الشهر أو وسطه أو أخره أو يوم معلوم منه لقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج ((?) ولو أسلم إلى عيد الفطر أو النحر أو يوم عرفة أو عاشوراء أو نحوها جاز لأنه معلوم بالأهلة. قال: وإن جعل الأجل مقدرا بغير الشهور الهلالية فذلك قسمان: أحدهما ما يعرفه المسلمون وهو بينهم مشهور مثل كانون وشباط، أو عيد لا يختلف كالنيروز والمهرجان عند من يعرفهما فظاهر كلام الخرقى وابن أبى موسى أنه لا يصح لأنه أجل إلى غير الشهور الهلالية أشبه ما إذا أجل إلى الشعانين - عيد الأحد الذى قبل الفصح- وعيد الفطير ولأن هذه لا يعرفها كثير من المسلمين، وقال القاضى: يصح. والقسم الثانى مالا يعرفه المسلمون كعيد الشعانين وعيد الفطير فهذا لا يجوز التأجيل إليه لأن المسلمين لا يعرفونه، لا يجوز تقليد أهل الذمة فيه لأن قولهم غير مقبول ولأنهم يقدمونه ويؤخرونه على حساب لهم وإن أجل إلى مالا يختلف مثل كانون الأول ولا يعرف المتعاقدان أو أحدهما لم يصح لأنه مجهول عنده.
وقال: ولا يصح أن يؤجله إلى الحصاد والجداد وما أشبهه وكذلك قال ابن عباس وابن المنذر وأبو حنيفة والشافعى وعن أحمد رواية أخرى أنه قال: أرجو ألا يكون به بأس وبه قال مالك وأبو ثور وعن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء وبه قال ابن أبى ليلى. وقال أحمد: إن كان شىء يعرف فأرجو. وكذلك إن قال: إلى قدوم الغزاة وهذا محمول على أنه أراد وقت العطاء لأن ذلك معلوم فأما نفس العطاء فهو فى نفسه مجهول يختلف ويتقدم ويتأخر ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتفاوت أيضا فأشبه الحصاد واستدل لما رجحه من عدم جواز التأجيل إلى الحصاد ونحوه بما روى عن ابن عباس أنه قال: لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تبايعوا إلا إلى شهر معلوم، ولأن ذلك يختلف ويقرب ويبعد فلا يجوز أن يكون أجلا كقدوم زيد. وقال: إن حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودى أن ابعث لى بثوبين إلى الميسرة رواه حرمى بن عمارة وفيه غفلة فربما كان هذا الحديث من غفلاته إذ لم يتابع عليه. على أنه لا خلاف فى أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة لم يصح.
وقال فى باب الإجارة (?) : إن الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة.. فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على سنة الأهلة لأنها المعهودة فى الشرع. قال الله تعالى: (يسألونك عن الأهلة (فوجب أن يحمل العقد عليه فإن شرط هلالية كان تأكيدا، وإن قال عددية أو سنة بالأيام كان له ثلثمائة وستون يوما لأن الشهر العددى يكون ثلاثين يوما، وإن استأجر سنة هلالية عد اثنى عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصا لأن الشهر الهلالى ما بين الهلالين ينقص مرة ويزيد أخرى قال: وإن كان العقد فى أثناء شهر عد ما بقى من الشهر وعد بعده أحد عشر شهرا بالهلال ثم كمل الشهر الأول بالعدد ثلاثين يوما لأنه تعذر إتمامه بالهلال فتممناه بالعدد وأمكن استيفاء ما عداه بالهلال فوجب ذلك لأنه الأصل. وحكى عن أحمد رواية أخرى أنه يستوفى الجميع بالعدد فوجب استيفاء جميعها به كما لو كانت المدة شهرا واحدا ولأن الشهر الأول ينبغى أن يكمل من الشهر الذى يليه فيحصل ابتداء الشهر الثانى فى أثنائه فكذلك كل شهر يأتى بعده. وهكذا إن كان العقد على أشهر دون السنة وإن جعلا السنة رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وكانا يعلمان ذلك جاز.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى (?) :
إنما يجوز الأجل إلى ما لا يتأخر ساعة ولا يتقدم كالشهور العربية والعجمية وكطلوع الشمس وغروبها وطلوع كوكب مسمى أو غروبه فكل هذه محدود الوقت عند من يعرفها قال تعالى: (يسألونك عن الأهلة (واستدل بعموم قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (على أن الأجل يعم كل محدود وهذا قول الحسن بن حى وأبى سليمان وأصحابنا.. واستثنى ابن حزم من اشتراط تحديد الأجل، الأجل إلى الميسرة، وقال (?) : إنه حق للنص فى ذلك ولأنه حكم الله تعالى فى كل من لا يجد أداء دينه.
ويقول (?) : لا يجوز البيع إلى أجل مجهول كالحصاد والجداد والعطاء والزريعة- وقت الزرع- والعصير وما أشبه هذا وهو قول أبى سليمان لأن كل ذلك يتقدم بالأيام ويتأخر. والحصاد والجداد يتأخران أياما إن كان المطر متواترا ويتقدمان بحر الهواء وعدم المطر، وكذلك العصير، وأما الزريعة فتتأخر شهرين أو أكثر لعدم المطر، وأما العطاء فقد ينقطع جملة. فكل ذلك شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل.
ثم قال: ولا يجوز الأجل إلى صوم النصارى أو اليهود أو فطرهم ولا إلى عيد من أعيادهم لأنها من زينتهم ولعلهم سيبدو لهم فيها فهذا ممكن. وأيد ذلك (?) بما روى عكرمة عن ابن عباس لا يسلم إلى عصير ولا إلى العطاء ولا إلى الأندر، وعن سعيد بن جبير: لا تبع إلى الحصاد ولا إلى الجداد ولا إلى الدراس، ولكن سم شهرا وبسنده إلى ابن سيرين أنه سئل عن البيع إلى العطاء فقال: لا أدرى ما هو. وعن منصور بن إبراهيم أنه كره الشراء إلى العطاء والحصاد ولكن يسمى شهرا، وبسنده إلى الحكم أنه كره البيع إلى العطاء ثم قال: هو قول سالم بن عبد الله بن عمر وعطاء. وأطال قبل ذلك فى مناقشة المخالفين له.
مذهب الزيدية:
قال صاحب البحر الزخار فى باب السلم (?) : يجب كون الأجل معلوما ويصح تقييده بالشهر الرومى والعربى والأيام المشهورة كالعيدين والنفرين - النفر إلى منى وإلى عرفة- ويوم عاشوراء لتعيينها، فإن أطلق العيد أو ربيع أو جمادى تعين الأول، وإن عين النيروز أو المهرجان أو عيد اليهود أو فطير اليهود أو فصح النصارى والشعانين صح أن عرفها المسلمون لا اليهود وحدهم إذ لا يوثق بقولهم وقال الإمام يحيى: لو قال أسلمت إليك إلى رأس الشهر لم يصح إذ لا يعلم أى يوم يطالبه. ونقل عنه أنه لو قال: أجلتك إلى شهر تدفع كل أسبوع رطلا صح لأن ما جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال. قال صاحب البحر: بل المذهب فى ذلك أن له إلى أخر اليوم المطلق، ورأس شهر هو فيه لأخره وإلا فللشروق فى أول يوم فيه. ثم قال: ولو أجله خمسة أشهر تعينت القمرية إذ هى المعهودة فى الشرع لقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة (ويعتبر بالأهلة لا بالعدد إلا حيث دخل بعض الشهر اعتبر بالعدد وما بعده بالأهلة لقوله صلى الله عليه وسلم: ".. فإن غم عليكم فأكملوا عدته ثلاثين يوما"، ونقل عن العترة وغيرهم أنه لا يصح التأجيل إلى الحصاد ونحوه للجهالة بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تبايعوا إلا إلى أجل معلوم ". ونقل عن الهادى أيضا أنه لا يصح إلى قدوم غائب ونحوه للجهالة ويصح إلى وقت العطاء إن كان معلوما.
مذهب الإمامية:
قال صاحب الروضة (?) : لا يناط الأجل بما يحتمل الزيادة والنقصان، كقدوم الحاج أو إدراك الغلة، ولا بالمشترك بين أمرين أو أمور حيث لا مخصص لأحدهما كنفرهم من منى فإنه مشترك وبين أمرين، وشهر ربيع المشترك بين شهرين فيبطل العقد بذلك، ومثل التأجيل إلى يوم معين من الأسبوع كالخميس، وقيل: يصح ويحمل على الأول فى الجميع لتعليقه الأجل على اسم معين وهو يتحقق بالأول لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط فلا يكفى ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به، ومع القصد لا إشكال فى الصحة وإن لم يكن الإطلاق محمولا عليه ويحتمل الاكتفاء فى الصحة بما يقتضيه الشرع فى ذلك قصداه أم لا نظرا إلى كون الأجل الذى عيناه مضبوطا فى نفسه شرعا، وإطلاق اللفظ منزل على الحقيقة الشرعية. وقال: فى موضع آخر (?) من باب السلف: الشهور يحمل إطلاقها على الهلالية مع إمكانه كما إذا وقع العقد فى أول الشهر ولو وقع فى أثنائه ففى عده هلاليا يجبره بمقدار ما مضى منه أو إكماله ثلاثين يوما أو انكسار الجميع لو كان معه غيره أقوال: وعدها ثلاثين يوما أوجه.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه (?) : فسد كل بيع أجل لغير وقت منضبط، لا لمنضبط كحصاد وجداد ودوس وقدوم الأعراب أو المسافرين أو الحاج، وخروج إلى بلد كذا، ووصول إلى البيت أو السوق والأخذ والعطاء والرزق عند الأكثر. وقيل: يجوز إلى الأجل المجهول على ما أسسا عليه البيع كما فى المنهاج، وقيل: إنه إن باع إلى خروج المشترى إلى بلد كذا أو إلى أن يصل إلى البيت أو السوق أو نحو ذلك فسد بالجهل وعدم العلم أيخرج أم لا ويصل أم لا؟
ثم قال: وأجاز ابن محبوب البيع إلى أيام وهى ثلاثة وكذا السلف لا إلى الأيام، وقيل بالجواز على أنها لسبعة، وفى التأجيل إلى القيظ والصيف والربيع والخريف والشتاء خلاف، قيل: يثبت إلا إذا نقضاه وقيل: لا يثبت الأجل إلا أن أتماه، وإن أراد الفصول بالحساب الذى يذكر بالفلك جاز قطعا وإن قال إلى شهر كذا فأوله، وإن قال إلى ربيع أو جمادى فالتأجيل ضعيف لأنهما ربيعان وجماديان ولهما النقض والصحيح فساده إلا إن قصدا معينا جاز قطعا. ثم قال: ويجوز الأجل بالسنة العجمية وشهورها على التحقيق وزعم البعض أنه لا يجوز وأصح الآجال الأهلة قوله تعالى: (هى مواقيت للناس (.
اختلاف المتعاقدين فى الأجل
مذهب الحنفية:
يقول الحصكفى فى الدر المختار وابن عابدين فى حاشيته (?) : لو اختلفا فى الأجل فالقول لنافيه وهو البائع، لأن الأصل الحلول إلا فى السلم، فإن لقول لمثبته لأن نافيه يدعى فساده ففقد شرط صحته وهو التأجيل، ومدعيه يدعى صحته بوجوده والقول لمدعى الصحة والفتوى على ذلك. ولو اختلفا فى قدر الأجل فلمدعى الأقل إنكار الزيادة، والبينة فيهما أى فى المسألتين للمشترى لأنه يثبت خلاف الظاهر والبينات للإثبات ولو اختلفا فى مضى الأجل فالقول والبينة للمشترى لأنهما لما اتفقا على الأجل فالأصل بقاؤه فكان القول للمشترى فى عدم مضيه ولأنه منكر توجه المطالبة.
وقد أورد صاحب تنوير الأبصار وشارحه، فى باب السلم فروعا (?) يختص منها الاختلاف فى أجل السلم بقوله: وإن اختلفا فى التأجيل فالقول لمدعى التأجيل، والأصل أن من خرج كلامه تعنتا فالقول لصاحبه بالاتفاق وعلق ابن عابدين على ذلك فقال: إن التعنت أن ينكر ما ينفعه. فلو قال رب السلم كان له أجل وأنكر المسلم إليه فهو متعنت فى إنكاره حقا له وهو الأجل كما فى الهداية. وقال الحصكفى فى الدر: وإن خرج كلامه خصومة ووقع الاتفاق على عقد واحد فالقول لمدعى الصحة عند الصاحبين وعند الإمام للمنكر. وفسر ابن عابدين عبارة " وإن خرج خصومة " فقال بأن أنكر ما يضره كعكس التصوير فى المسألة السابقة أى قال المسلم إليه كان التعاقد على الأجل وأنكر رب السلم ذلك.
وقد رجعنا إلى الهداية (?) فوجدنا عبارة الميرغينانى فى السلم بخاصة: ولو قال بل كان له أجل. فالقول قول رب السلم المسلم إليه لم يكن له أجل وقال رب السلم لأن المسلم إليه متعنت فى إنكاره حقا له وهو الأجل، والفساد لعدم الأجل غير متيقن فكان الاجتهاد فلا يعتبر النفع فى رد رأس لمال بخلاف عدم الوصف وفى عكسه وهو أن يدعى المسلم إليه الأجل ورب السلم ينكره كما فى الفتح. القول لرب السلم عندهما لأنه ينكر حقا له عليه فيكون القول قوله.
مذهب المالكية:
قال خليل والدردير (?) : لو اختلفا فى قدر الأجل كبعت لشهر، وقال المشترى لشهرين، حلفا وفسخ إن كانت السلعة قائمة على المشهور، ومحل الفسخ إن حكم به الحاكم أو تراضيا عليه ثم تعود السلعة على ملك البائع ظالما أو مظلوما ويكون الفسخ ظاهرا أى عند الناس وباطنا - أى عند الله تعالى- وصدق المشترى إن ادعى الأشبه- أى الأقرب إلى ما عليه التعامل- وإن انفرد البائع بالشبه فالقول قوله بيمينه فمحل التحالف إن لم يدع أحدهما الأشبه، وفى حالة التحالف يبدأ البائع بالحلف (?) .
ثم قال بعد ذلك (?) : إذا اختلف المتبايعان فى انتهاء الأجل مع اتفاقهما عليه كأن يقول البائع: هو شهر وأوله هلال رمضان وقد انتقض. فيقول المشترى: بل أوله نصف رمضان فالانتهاء فى نصف شوال فالقول عند الانتهاء- وهو هنا المشترى- بيمينه لأن الأصل بقاؤه- إن أشبه، سواء أشبه غيره أم لا- فإن أشبه غيره فقط فالقول قوله بيمينه فإن لم يشبه أيضا حلف وفسخ العقد فإن كانت السلعة قائمة ردت للبائع وإن فاتت ردت قيمتها ويقضى للحالف على الناكل.
وأما إن اختلفا فى أصل الأجل فإنه يعمل بالعرف بيمينين فإن لم يكن عرف تحالفا وتفاسخا إن كانت السلعة قائمة وإلا صدق المشترى بيمينه إن ادعى أجلا قريبا لا يتهم فيه، وإلا فالقول للبائع إن حلف.
مذهب الشافعية:
جاء فى المنهاج وشرحه (?) : إذا اتفق المتبايعان على صحة البيع ثم اختلفا فى أصل الأجل بأن أثبت المشترى الأجل ونفاه البائع، أو اختلفا فى قدره كشهر أو شهرين ولا بينة لأحدهما يعول عليها. فإن كانت لهما بينة لا يعول عليها بأن أقام كل بينة وتعارضتا لإطلاقهما عن التاريخ أو إطلاق أحدهما فقط أو لكونهما أرخا بتاريخين مختلفين فإنهما يتحالفان فى هذه الصور لخبر مسلم " اليمين على المدعى" وكل منهما مدع ومدعى عليه. قال الرملى (?) : فيحلف كل منهما على نفى قول صاحبه وإثبات قوله لما مر من أن كلا مدع ومدعى عليه فينفى ما ينكره ويثبت ما يدعيه هو.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة (?) : وإن اختلفا فى أصل الأجل أو قدره أو نحو ذلك ففيه روايتان: إحداهما يتحالفان وهو قول الشافعى لأنهما اختلفا فى صفة العقد فوجب أن يتحالفا قياسا على الاختلاف فى الثمن والثانية القول قول من ينفى ذلك مع يمينه وهو قول أبى حنيفة لأن الأصل عدمه فالقول قول من ينفيه كأصل العقد لأنه منكر والقول قول المنكر.
وقال ابن قدامة فى باب السلم (?) : إذا اختلف المسلم والمسلم إليه فى حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر.
مذهب الزيدية:
ينقل صاحب البحر (?) عن الهادى وأبى طالب أن المتبايعين إذا اختلفا فى قدر المسلم فيه أو أجله تحالفا وبطل إذ كل مدع لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا البيع " فإن بينا فبينة المسلم: ثم قال: المذهب أن القول للمسلم إليه فى عدة مسائل منها عدم اقتضاء الأجل إذ هو الظاهر ويقول صاحب البحر فى موضوع الكتابة (?) : إن المذهب وهو قول الإمام يحيى أن القول للعبد فى قدر المال وأجله وتنجيمه إذ الظاهر البراءة فى ذلك كله.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه (?) : إن اختلف الأجير والمستأجر، أو المكرى والمكترى فى المدة، فالقول فيها قول الأجير والمكرى، فعلى مدعى الزيادة فيها وهو المكترى والمستأجر غالبا بيان الزيادة وكذا لو ادعاها الأجير والمكرى وذلك مثل أن يقول الأجير مدة الكراء نصف سنة ويقول المستأجر سنة فعلى المستأجر البينة، وكذا لو قال الأجير مدة الكراء سنة وقال المستأجر نصف سنة لداع إلى ذلك كيمين أو إرادة رفق على الأجير أو إرادة زيادة خير للمستأجر فعلى الأجير بيان الزيادة، وذلك لأن المدعى لزيادة المدة يدعى شيئا بعد ما اتفقا على ما قبله فلا يقبل بلا بيان ولاسيما إن كانت نفعا له فى العمل وكذا إن اتفقا على المدة واختلفا فى انقضائها مثل أن يقولا: إنها شهر ولم يكن البدء من أول الشهر بل حسب الأيام لكن اختلفا هل استهل ليلة كذا فينسلخ ليلة كذا فالقول قول من لم يدع الانقضاء وكذا لو كان عدم الانقضاء مضرة عليه كالمكرى والأجير وذلك لأن الذمة شغلت بالمدة فلا تقبل البراءة منها بادعاء الانقضاء بلا بيان ثم قال: وأصل ذلك حرمة أموال الناس وأبدانهم إلا ما أجاز إليه صاحبهما فمن أنكر منهما كان القول قوله وحلف.
حكم الأجل
الأجل يكون جائزا فى بعض العقود كالتأجيل بالنسبة لثمن المبيع ويكون واجبا فى بعضها كخيار الشرط كما هو مقتضى ماهيته وكالسلم خلافا لبعض الفقهاء كالشافعية. ويكون ممنوعا فى بعضها كالصرف وبيع الربويات على تفصيل فى المذاهب.
مذهب الحنفية:
مما يجوز التأجيل فيه عندهم البيع.
وجاء فى الهداية وشروحها (?) : يجوز البيع بثمن حال ومؤجل إذا كان الأجل معلوما للإطلاق فى قول الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا ((?) ، ولما رواه البخارى عن السيدة عائشة- رضى الله عنها- قالت: "إن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما نسيئة من يهودى إلى أجل ورهنه درعا له من حديد". ومما يجوز التأجيل فيه رأس مال السلم عند الإقالة وكذا القرض، يقول ابن عابدين (?) : إن القرض يصح تأجيله مع كونه غير لازم، لكن قال فى الهداية: إن تأجيله لا يصح لأنه إعارة وصلة فى الابتداء حتى يصح بلفظ الإعارة ولا يملكه من لا يملك التبرع وهو معاوضة فى الانتهاء فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما فى الإعارة إذ لا جبر فى التبرع وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا. قال ابن عابدين: إن مقتضى هذه العبارة أن قوله: " لا يصح على حقيقته لأنه إذا وجد فيه ما يقتضى عدم اللزوم وما يقتضى عدم الصحة ولا منافاة وجب اعتبار عدم الصحة، ولهذا علل فى الفتح لعدم الصحة أيضا بقوله: ولأنه لو لزم كان التبرع ملزما للمتبرع. ثم نقل ابن عابدين عن القنية أن التأجيل فى الفرض باطل.
وقالوا: إن التأجيل فى بدل الكتابة جائز كالتنجيم. جاء فى الدر المختار (?) تعليقا على ما أورده التمرتاشى فى تنوير الأبصار عن شرط الكتابة. قال: لا يشترط كون البدل منجما أو مؤجلا لصحتها بالحال ونقل عن باب السلم فى الجوهرة أنه يجوز تأجيل رأس مال السلم بعد الإقالة لأنه دين لا يجب قبضه فى المجلس كسائر الديون ومما يجب التأجيل فيه السلم جاء فى الهداية وشروحها (?) : لا يجوز السلم إلا مؤجلا لقوله عليه الصلاة والسلام: " من أسلم منكم فليسلم " إلى أجل معلوم ولأنه شرع رخصة دفعا لحاجة المفاليس فلابد من الأجل ليقدر على التحصيل فيسلم ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص ويحرم الأجل عند الأحناف فى مثل الربويات ومنها عقد الصرف.
جاء فى الهداية وشروحها (?) : ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق لقوله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد"، ولقول عمر فى الصرف: " وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنظره ولأنه لابد من قبض أحدهما ليخرج العقد عن الكالىء بالكالىء، ثم لابد من قبض الآخر تحقيقا للمساواة فلا يتحقق الربا ولأن أحدهما ليس بأولى من الآخر فوجب قبضهما سواء كافا متعينين كالمصوغ أم لا يتعينان كالمضروب.
مذهب المالكية:
المالكية يجيزون البيع فى غير الربويات بثمن مؤجل. جاء فى فروعهم (?) : " سئل عبد الرحمن بن القاسم عمن باع ثوبا بمائة درهم إلى أجل شهر ثم اشترى بمائة درهم إلى الأجل. أيصح ذلك فى قول مالك. قال: نعم لا بأس فى ذلك وقد لخص الدسوقى فى باب القرض (?) أن المقترض إذا قبض القرض فإن كان له أجل مضروب أو معتاد لزمه رده إذا اقتضى ذلك الأجل وإن لم ينتفع به عادة أمثاله، فإن لم يكن ضرب له أجل ولم يعتد فيه أجل فلا يلزم المقترض رده لمقرضه إلا إذا انتفع به عادة أمثاله، ثم قال خلافا لمن قال أن الفرض إذا لم يؤجل بشرط أو عادة كان على الحلول، فإذا طلبه المقرض قبل انتفاع المقترض به رده إليه، والسلم عندهم يجب تأجيله كالأحناف. جاء فى متن خليل وشرح الدردير (?) : من شروط السلم أن يؤجل السلم بأجل معلوم. وعلله الدسوقى بأن التأجيل ليسلم من بيع ما ليس عند الإنسان المنهى عنه بخلاف ما إذا ضرب الأجل فإن الغالب تحصيل المسلم فيه فى ذلك الأجل فلم يكن من بيع ما ليس عنده إذ كأنه إنما يبيع ما هو عنده عند الأجل ويختلفون فى وجوب تنجيم بدل الكتابة. يقول خليل: والظاهر اشتراط التنجيم. ويقول الدردير: إنهم اختلفوا فى لزوم تنجيم بدل الكتابة - أى وجوبه كما قال الدسوقى- فقيل: يلزم تنجيمه. وفسر الدسوقى التنجيم بالتأجيل لأجل معين، ثم قال الدردير: فإذا وقعت الكتابة بغير تنجيم فهى صحيحة وتنجم لزوما على الراجح- أى وجوبا- لأن العرف فيها التأجيل كما يقول الدسوقى.
وقال ابن رشد: الصحيح جوازها حالة ولا يجب التنجيم، لكنها إن وقعت حالة فقطاعة قال الدسوقى: أى يقال لها: قطاعة كما يقال لها: كتابة، فالقطاعة عنده من أفراد الكتابة (?) .
ويحرم التأجيل عندهم فى الربويات فقالوا (?) : وحرم كتابا وسنة وإجماعا فى نقد أى ذهب وفضة وطعام ربا فضل ونساء أى تأخير والنساء- أى نسيئة يحرم فى النقد مطلقا وكذا فى الطعام ولو غير ربوى- ونقل الدسوقى عن الأجهورى أن ربا النساء فى النقد حرام ومثله طعام وإن جنساهما قد تعددا، ثم قال (?) : ولا يجوز صرف مؤخر ولو كان التأخير قريبا مع فرقة ببدن اختيارا ولو بأن يدخل أحدهما فى الحانوت ليأتى له بالدراهم منه لا إن لم تحصل فرقة فلا يضر إلا إذا طال.
مذهب الشافعية:
يجيز الشافعية الأجل فى البيع فى غير الربويات. جاء فى شرح المنهاج لجلال الدين المحلى (?) : " إذا بيع الطعام بغيره كنقد أو ثوب أو غير الطعام بغير الطعام وليسا نقدين كحيوان بحيوان لم يشترط فى البيع حلول ولا مماثلة ولا تقابض فيكون الأجل جائزا فى هذه الأنواع وهم يذكرون ذلك فى فروعهم ففى المنهاج (?) : "للمشترى قبض المبيع استقلالا إن كان الثمن مؤجلا". وهم يقيسون السلم على البيع فى جوازه بثمن حال ومؤجل (?) .
والسلم ينص الشافعى على أن التأجيل فيه جائز لا واجب يقول أبو شجاع والخطيب والبيجرمى فى حاشيته على الإقناع (?) : يصح السلم حالا ومؤجلا بأن يصرح بهما فإن أطلق انعقد حالا. وأما الحال فبالأولى لبعده عن الغرر كما يجب الأجل فى بدل الكتابة عندهم. جاء فى المنهاج وشرحه (?) فى كتاب الكتابة: "وصيغتها كاتبتك على كذا منجما ويبين وجوبا عدد النجوم". وقال (?) : وشرط العوض كونه دينا مؤجلا لأنه المنقول عن السلف والخلف ولأنه عاجز حالا.. ثم قال الرملى: "ولا بأس بكونها ولو فى الذمة حالة لقدرته على الشروع فيها حالا وتصح بنجمين قصيرين". وعلق الشبراملسى على ذلك بقوله: الذى فى شرح المنهج نصه: "ولا تخلو المنفعة من التأجيل وإن كان فى بعض نجومها تعجيل فالتأجيل فيها شرط فى الجملة ومثله فى التحفة".
ويحرم عندهم التأجيل فى الربويات أيضا على ما يصوره تعبيرهم. جاء فى المنهاج وشرحه (?) : إذا بيع الطعام بالطعام أو النقد بالنقد إن كانا جنسا واحدا اشترط الحلول من الجانبين بالإجماع لاشتراط المقابضة ومن لازمها الحلول فمتى اقترن بأحدهما تأجيل وإن قل زمنه أو حل قبل تفرقهما لم يصح أو جنسه كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط الحلول والتقابض لحديث "الذهب بالذهب ".. فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد.
مذهب الحنابلة:
وهم أيضا يجيزون تأجيل الثمن فى البيع فى غير الربويات ويذكرون ذلك فى فروعهم، يقول ابن قدامة (?) : "فإن قال: بعتك على أن تنقدنى الثمن إلى ثلاث أو مدة معلومة وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح".
وقالوا: يجب التأجيل فى السلم (?) إذ نصوا على أنه يشترط لصحة السلم أن يكون مؤجلا ولا يصح الثمن الحال. قال أحمد فى رواية المروزى: لا يصح حتى يشترط الأجل وذكر الحديث. ثم قال: فأمر بالأجل وأمره يقتضى الوجوب ولأنه أمر بهذه الأمور مبينا لشروط السلم ومنعنا منه بدونها وكذا لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن فكذلك الأجل لأن السلم رخصة للرفق ولا يحصل الرفق إلا بالأجل فإذا انتقى الأجل انتفى الرفق ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه أما الاسم فلأنه يسمى سلما وسلفا لتعجيل أحد العوضين وتأخير الآخر، وأما معنى فلأن الشارع أرخص فيه للحاجة الداعية إليه ومع حضور ما يبيعه حالا لا حاجة إلى السلم فلا يثبت كما قالوا بوجوب الأجل فى بدل الكتابة (?) . ويحرم الأجل عندهم فى الربويات، يقول ابن قدامة (?) : وكل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء فلا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا ثم يقول (?) : وكل ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النساء بغير خلاف نعلمه ويحرم التفرق قبل القبض لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " عينا بعين "، وقوله: " يدا بيد ". ولأن تحريم النساء أولى بالتحريم ثم قال: وما كان من جنسين فجائز التفاضل فيه ولا يجوز نسيئة لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ".
مذهب الظاهرية:
ومما يجوز التأجيل فيه عندهم ثمن المبيع بشرط تحديد الأجل.
يقول ابن حزم الظاهرى فى كتاب البيع (?) : لا يجوز البيع بثمن مجهول ثم قال: وإنما يجوز الأجل إلى مالا يتأخر ساعة ولا يتقدم، وكذا فالقرض عندهم مما يجوز فيه الأجل. يقول ابن حزم (?) : القرض إما حالا فى ذمته وإما إلى أجل مسمى هذا مجمع عليه ثم قال (?) : فإن كان الدين حالا فللذى أقرض أن يأخذ به المقترض متى أحب وعنده (?) أن القرض جائز فى الأصناف الربوية ويجوز إلى أجل مسمى ومؤخرا تحت الطلب فيكون حالا فى الذمة متى طلبه صاحبه أخذه كما أجازوا الأجل فى بدل الكتابة. قال ابن حزم (?) : ومن كوتب إلى غير أجل مسمى فهو على كتابته ما عاش السيد، ومن كوتب إلى أجل مسمى نجم واحد أو نجمين فصاعدا فحل وقت النجم ولم يؤد رد عبدا، ويجب الأجل عندهم فى السلم، يقول ابن حزم (?) : السلم لا يجوز إلا إلى أجل مسمى ولابد. واستدل بالحديث ثم قال ففى هذا إيجاب الأجل المعلوم ويحرم التأجيل عندهم فى بيع الربويات وهو بيع صنف من الأصناف الواردة فى حديث " الذهب بالذهب " بمثله نسيئة كما يحرم متفاضلا ويجوز بيع كل صنف منها بالأصناف الأخرى بشرط أن يكون يدا بيد. قال ابن حزم (?) : لا يحل أن يباع قمح بقمح إلا مثلا بمثل يدا ليد، وذكر مثل ذلك فى باقى الأصناف، ثم قال (?) : وجاز بيع كل صنف مما ذكرنا بالأصناف الأخرى متفاضلا ومتماثلا إذا كان يدا بيد ولا يجوز فى ذلك التأخير طرفة عين فأكثر لا فى بيع ولا فى سلم، ثم قال (?) : وجاز بيع الذهب بالفضة سواء فى ذلك الدنانير بالدراهم أو بالحلى والدراهم بحلى الذهب، يدا بيد ولابد عينا بعين، ولا يجوز التأخير فى ذلك طرفة عين لا فى بيع ولا فى سلم ويباع الذهب بالذهب لا يحل التفاضل ولا التأخير طرفة عين، وتباع الفضة بالفضة وزنا بوزن يدا بيد ولا يجوز التأخير فى ذلك طرفة عين لا بيعا ولا سلما.
مذهب الزيدية:
يجوز البيع عندهم بثمن مؤجل أيضا ويذكرونه فى فروعهم. يقول صاحب البحر (?) : ولا يصح أن يأخذ بالثمن المؤجل غير جنسه قبل حلول أجله.
ويجب عندهم فى السلم لأن التأجيل فى ماهيته يقول صاحب البحر: السلم هو تعجيل أحد البدلين وتأجيل الآخر كما ذكر فى شروط السلم الأجل (?) كما يشترطون فى باب الكتابة التأجيل والتنجيم مع اختلافهم فى أقل النجوم، ونقل صاحب البجر عن المؤيد بالله وأبى طالب وأبى العباس أن التأجيل والتنجيم شرط وأقله نجمان قيل: ولو فى ساعتين، وقيل: بل أقل أجل السلم، وقال: إنه قوى، وأن وجه اشتراط التأجيل والتنجيم قول على الكتابة على نجمين، ولفعل عثمان ذلك مع عبده. ويحرم التأجيل فى الربويات. نقل صاحب البحر (?) عن العترة: إن ما لا يكال ولا يوزن جاز التفاضل فيه كالرمانة بالرمانتين ويحرم النساء لقوله عليه السلام: "لا ربا إلا بالنسيئة فعم إلا ما خصه دليل، ثم نقل أنهما إذا اتفقا جنسا وتقديرا أو فى أحدهما اشترط التقابض فى المجلس لقوله عليه السلام: "إلا يدا بيد "، ولقوله: "التمر بالملح يدا بيد كيف شئتم". وكذلك يحرم فى الصرف يقول صاحب البحر (?) : إن من شروط الصرف الحلول لقوله صلى الله عليه وسلم: " إلا ها وها ". والتأجيل يفسده ولو حل قبل التفرق إذ يخالف موجب عقده وهو التعجيل. كما نقل (?) عن المؤيد بالله وأبى طالب والقاضى زيد وأبى العباس أنه لا يصح الأنظار بالقرض إذ هو تبرع كالعارية، والتأجيل نقص للعوض وموضوع القرض تماثلها.
مذهب الإمامية:
مما يجوز التأجيل فيه عندهم ثمن المبيع إذا اتفق عليه الطرفان، جاء فى المختصر النافع (?) : "من ابتاع مطلقا فالثمن حال ولو شرط التأجيل مع تعيين المدة صح".
وفى قلائد الدرر (?) : ويجوز تأجيل القرض عندهم إذ يقول: إن آية (يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (. تدل على جواز تأجيل القرض. كما جاء فيه (?) : إن فى قوله تعالى: (إلى أجل (يفهم إباحة المعاملة بالدين مؤجلا نسيئة وسلما لأن الدين حق يثبت فى الذمة فهو أعم من المؤجل وغيره.
ويجب الأجل فى السلم الذى يسمونه سلفا فقد عرفه صاحب المختصر النافع (?) بأنه ابتياع مضمون إلى أجل بمال حاضر واشترطوا لصحته تعيين الأجل. ويقول صاحب الروضة البهية (?) : وتقارن الكتابة البيع فى اعتبار الأجل فى الشهور. ثم قال: "ولابد فى الكتابة من العقد المشتمل على الإيجاب مثل كاتبتك على أن تؤدى إلى كذا فى وقت كذا إن اتحد الأجل أو أوقات كذا إن تعدد الأجل". ثم قال (?) : "والأقرب اشتراط الأجل فى الكتابة مطلقا بناء على أن العبد لا يملك شيئا فعجزه حال العقد عن العوض حاصل، ووقت الحصول متوقع مجهول فلابد من تأجيله بوقت يمكن فيه حصوله عادة". ثم قال: "وقيل: لا يشترط الأجل مطلقا للأصل ولإطلاق الأمر بها خصوصا على القول بكونها بيعا".
مذهب الإباضية:
يرون كغيرهم، كما فى النيل وشرحه، جواز تأجيل الثمن فى البيع إذ يقولون (?) : يفسد كل بيع لأجل غير منضبط لا منضبط. ويقولون بوجوب الأجل فى السلم فقد نصوا عند ذكرهم شروط السلم (?) على أنه بوزن وعيار وأجل ... يوفى فيه ما فيه السلم. ونقل عن أحد فقهائهم: إن علة الأجل حصول مصلحتين إحداهما للبائع وهو دفع قليل ليأخذ أكثر منه، والثانية للمشترى وهى الانتفاع بالثمن فى أجله. ويمنعونه فى الربويات على طريقتهم ويستدلون بحديث يروونه عن زيد بن أرقم والبراء بن عازب: "إن الصرف يد بيد وأما بالنسيئة فلا (?) ". وبما رواه جابر بن زيد عن طلحة بن عبيد الله أنه التمس من رجل صرفا فأخذ طلحة الذهب يقلبه بيده وقال: حتى يأتى خازنى من الغابة وعمر بن الخطاب حاضر فقال: والله لا تفترقان حتى يتم الأمر بينكما. وقد عرفوا (?) الصرف بأنه: بيع وإن بلا وزن بشرط التقابض فى المجلس، وهم يمنعون ربا النسيئة على تفصيل لهم فى ذلك (?) .
حكم الأجل من ناحية اللزوم وعدمه
واضح أن كل تأجيل مشروع يلتزم به العاقدان إلا أن الفقهاء عدا المالكية يستثنون القرض. ويضيف الأحناف إلى القرض فى عدم التزام الأجل مع ذكره ست مسائل أخرى وإليك البيان.
مذهب الحنفية:
جاء فى التنوير وشرحه (?) : لزم تأجيل كل دين إن قبل المدين إلا فى سبع بدلى صرف وسلم، وثمن عند إقالة وفيما بعدها وما أخذ به الشفيع ودين الميت والقرض، غير أن القرض يلزم تأجيله فى أربع مسائل إذا كان محجورا، أو حكم مالكى بلزومه بعد ثبوت أصل الدين عنده، أو أحاله على آخر فأجله المقرض، أو أحال على مدين مؤجل دينه، أو أوصى بأن يقرض فلان من ماله ألف درهم إلى سنة، أو أوصى بتأجيل قرضه إلى زيد سنة، واستخلص أن تأجيل الدين على ثلاثة أوجه: باطل فى بدلى الصرف والسلم، وصحيح غير لازم فى قرض وإقالة وشفيع ودين ميت ولازم فيما عدا ذلك، وأضاف إلى ذلك نقلا عن النهر أن الملحق بالقرض تأجيله باطل ومن إضافات ابن عابدين فى هذا المقام أنه علل عدم اللزوم فى تأجيل بدلى الصرف والسلم باشتراط القبض فى بدلى الصرف فى المجلس واشتراطه فى رأس المال، وهذا يقضى بعدم جواز التأجيل فى بدلى الصرف وفى رأس مال السلم كما نقل ابن عابدين عن القنية: إن المشترى إذا أجل البائع سنة عند الإقالة صحت الإقالة وبطل الأجل ولو تقايلا ثم أجله ينبغى ألا يصح الأجل عند أبى حنيفة فإن الشرط اللاحق بعد العقد ملتحق بأصل العقد عندهم. ونقل عن الجوهرة أنه يجوز تأجيل رأس مال السلم بعد الإقالة لأنه دين لا يجب قبضه فى المجلس كسائر الديون. وقال فى موضوع ما أخذ به الشفيع أنه يشمل ما إذا كان الشراء بثمن مؤجل فإن الأجل لا يثبت فى أخذ الشفيع، ثم صور دين الميت بقوله: لو مات المدين وحل المال فأجل الدائن وارثه لم يصح لأن الدين فى الذمة. ثم قال: وفائدة التأجيل أن يتجر فيؤدى الدين من نماء المال فإذا مات من له الأجل تعين المتروك لقضاء الدين فلا يفيد التأجيل وفى ملتقى الأبحر وشرحه مجمع الأنهر (?) : كل دين أجل بأجل معلوم صح تأجيله وإن كان حالا فى الأصل لأن المطالبة حقه فله أن يؤخره سواء كان ثمن مبيع أو غيره تيسيرا على من له عليه. ألا ترى أنه يملك إبراءه مطلقا فكذا مؤقتا ولابد من قبوله ممن عليه الدين فلو لم يقبل بطل التأجيل فيكون حالا ويصح تعليق التأجيل بالشرط. ثم استثنى كصاحب التنوير القرض ونص على أنه لا يصح تأجيله.
وقد صور ابن عابدين تعليق التأجيل بالشرط بقوله (?) : فلو قال لمن عليه ألف حالة: إن دفعت إلى غدا خمسماية فالخمسماية الأخرى مؤخرة إلى سنة فهو جائز.
مذهب المالكية:
جاء فى متن خليل وشرح الدردير عليه (?) : جاز قضاء قرض بمساو لما فى الذمة قدرا وصفة حل الأجل أم لا.
وعلق الدسوقى على ذلك بكلام يقول فيه: إن الحق فى الأجل فى القرض لمن عليه الدين. وقال (?) : إن ثمن المبيع إذا كان عرضا أو طعاما كان الحق فى الأجل لرب الدين، وأما القرض وثمن المبيع إذا كان عينا فالحق فيه لمن عليه الدين إن شاء عجل أو بقى الأجل.
مذهب الشافعية:
جاء فى منهاج الطالبيين وشرحه فى باب القرض (?) : " ولو شرطا أجلا فى القرض فلا يعتبر الأجل ويصح العقد وعلق على ذلك عميرة فى حاشيته بقوله: وعندنا لا يلزم التأجيل فى الحال إلا بالإيصاء أو النذر.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة (?) : وللمقرض المطالبة ببدله فى الحال لأنه سبب يوجب رد المثل فى المثليات فأوجبه حالا كالإتلاف. ولو أجل القرض لم يتأجل وكان حالا. وكل دين حل أجله لم يصر مؤجلا بتأجيله.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى (?) : من كان له دين حال أو مؤجل فحل فرغب إليه الذى عليه الحق فى أن ينظره أيضا إلى أجل مسمى ففعل أو أنظره كذلك بغير رغبة وأشهد أو لم يشهد لم يلزمه من ذلك شىء، والدين حال ويأخذه به متى شاء، وهو قول أصحابنا.
مذهب الزيدية:
قدمنا عن الزيدية نقلا عن البحر الزخار (?) أنهم يقولون بعدم صحة تأجيل القرض فضلا عن عدم اللزوم.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب قلائد الدرر (?) : إن آية البقرة: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (كما تدل على جواز تأجيل القرض تدل على لزومه عند اشتراطه. واستدل للزوم بعموم الأمر بالوفاء بالشروط والعقود. وقد استدرك صاحب القلائد على ذلك بقوله: إن الأصحاب أطبقوا على كونه من العقود الجائزة وأنه لو شرط فيه الأجل فلا يلزم لأن الآية ليست ناصة فى ذلك لاحتمال أن يكون الغرض من الكتابة المحافظة على المقدار حذرا من تطرق النسيان وإمكان حمل الرواية على الاستحباب. نعم لو شرط تأجيله فى عقد لازم فالأقوى لزومه.
انتهاء الأجل وسقوطه
واضح أن الأجل ينتهى بانتهاء مدته المتفق عليها بين المتعاقدين دون خلاف فى ذلك فإذا كان البيع بثمن مؤجل انتهى الأجل بانتهاء المدة المضروبة، ومثله فى مدة الإجارة والعارية وأجل القرض وما إلى ذلك. وأما سقوط الأجل فى أثناء المدة فواضح أيضا أنه يسقط باتفاق الدائن والمدين، وبوجود سبب يفسخ العقد الذى بقى عليه الأجل، وهناك اختلاف فى بعض الصور والجزئيات مثل إبطال المدين حقه فى الأجل، ومثل موت أحدهما ومثل الحجر على المدين نبينه فيما يأتى:
إبطال المدين حقه فى الأجل
مذهب الحنفية:
نقل ابن عابدين (?) : أنه لو قال المدين أبطلت الأجل أو تركته صار حالا بخلاف برئت من الأجل أو لا حاجة لى فيه، وإذا قضاه قبل الحلول فاستحق المقبوض من القابض أو وجده زيوفا فرده أو وجد فى المبيع عيبا فرده بقضاء عاد الأجل، لا لو اشترى من ديونه شيئا بالدين وقبضه ثم تقايلا البيع ولو كان بهذا الدين المؤجل كفيل.
ثم قال (?) نقلا عن الفنية: إنه لو قضى المديون الدين قبل حلول الأجل فإنه لا يأخذ من المرابحة التى جرت بينهما إلا بقدر ما مضى من الأيام.
وفى غمز عيون الأبصار للحموى على الأشباه لابن نجيم (?) يلزم الدائن بقبول الدين المؤجل إذا قضاه المدين قبل حلول الأجل إلا أن يكون فى أخذه ضرر بالدائن فإنه لو لم يأمن مثلا بأن كان بمكة وأعطاه دينه وهو لا يحل إلا بمصر فإنه لا يجبر على أخذه منه.
مذهب المالكية:
يقول الدردير فى الشرح الكبير (?) : فإن أراد المقترض رد القرض له به قبل أجله لزم المقرض قبوله، لأن الأجل حق لمن هو عليه ولو كان غير عين، ولا يلزم ربه بقبوله فى غير محله إن كان غير عين- أى النقد ونحوه- لما فيه من الكلفة " أمل العين فيلزم ربها أخذها بغير محلها لخفة حملها إلا لخوف أو احتاج إلى كبير حمل، ومثل العين الجواهر النفيسة الخفيفة.
مذهب الشافعية:
قال الشافعى فى الأم (?) فى باب السلم: فإن دعا المدين الدائن إلى أخذ حقه قبل محله، وكان حقه ذهبا أو فضة أو نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ولا مشروب ولا ذى روح يحتاج إلى العلف والنفقة جبر على أخذ حقه منه إلا أن يبرئه لأنه قد جاءه بحقه وزيادة تعجيله قبل محله. ثم قال: ولست انظر فى هذا إلى تغير قيمته فإن كان يكون فى وقته أكثر قيمة أو أقل قلت للذى له الحق إن شئت حبسته وقد يكون فى وقت أجله أكثر قيمة منه حين يدفعه أو أقل.
وجاء فى شرح المنهاج (?) : إن أداء القرض كأداء المسلم فيه صنفا وزمنا ومحلا. وعلق الشبراملسى على ذلك بقوله: إن المراد من تشبيهه به فى الزمان ما ذكروه من أنه إذا أحضر المقترض ما فى ذمته من دين فى زمن النهب لا يجب عليه قبوله، كما أن المسلم فيه إذا أحضره المسلم إليه قبل محله لا يلزمه القبول وإن أحضره فى زمن الأمن وجب قبوله فالمراد من التشبيه مجرد أن القرض قد يجب قبوله إذا أتى به للمقرض وقد لا يجب.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة (?) فى باب السلم: "إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه قبل محله ينظر فيه إن كان فى قبضه قبل محله ضرر لكونه يتغير كالفاكهة، أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب لم يلزم المسلم قبوله لأن له غرضا فى تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه فى ذلك الوقت، وكذلك الحيوان لأنه لا يأمن تلفه فيحتاج إلى الإنفاق عليه إلى ذلك الوقت وربما يحتاج إليه فى ذلك الوقت دون ما قبله، وهكذا إن كان مما يحتاج فى حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه أو كان الوقت مخوفا يخشى نهب ما يقبضه فلا يلزمه الأخذ فى هذه الأحوال كلها لأن عليه ضررا فى قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فجرى مجرى نقص صفة فيه وإن كان مما لا ضرر فى قبضه بأن يكون لا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فإنه يستوى قديمه وحديثه ونحو ذلك الزيت والعسل ولا فى قبضه ضرر لخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وتعجيل الدين المؤجل".
وهذا صريح فى أن من حق المدين إبطال حقه فى الأجل وأن على الدائن أن يقبل التعجيل إذا لم يكن فيه ضرر عليه.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى (?) : إن أراد الذى عليه الدين المؤجل أن يعجله قبل أجله بما قل أو كثر لم يجبر الذى له الحق على قبوله أصلا، وكذا لو أراد الذى له الحق أن يتعجل قبض دينه قبل أجله بما قل أو كثر لم يجز أن يجبر الذى عليه الحق علي أدائه سواء فى ذلك الدنانير والدراهم والطعام كله والعروض كلها والحيوان فلو تراضيا على تعجيل الدين أو بعضه قبل حلول أجله أو على تأخيره بعد حلول أجله أو بعضه جاز ذلك وهو قول أبى سليمان وأصحابنا واستدل على ذلك بأن شرط الأجل قد صح بالقرآن والسنة فلا يجوز إبطال ما صححه الله تعالى. وقال فى موضوع الكتابة (?) : وإذا كانت الكتابة نجمين فصاعدا أو لأجل فأراد العبد تعجيلها كلها أو تعجيل بعضها قبل أجله لم يلزم السيد قبول ذلك ولا عتق العبد وهى إلى أجلها وكل نجم منها إلى أجله لقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ((?) ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: " المسلمون عند شروطهم ".
مذهب الزيدية:
يقول صاحب البحر الزخار (?) : يجب قبض كل معجل مساو للدين أو زائد فى الصفة لإلزام عمر امرأة كاتبت عبدا قبول تعجيل العبد قبل النجوم ولم يخالفه أحد إلا مع خوف ضرر أو غرامة، وقد نقل الحادثة صاحب جواهر الأخبار فى حاشيته على البحر فقال (?) : روى أن امرأة كاتبت عبدا لها على ثلاثين ألف درهم منجمة فأتى العبد بالمال صبة واحدة فأبت المرأة أن تقبض المال إلا فى النجوم التى اشترطتها، فجاء العبد إلى عمر فقال له: هات المال. فصبه العبد كاملا، فوضعه عمر فى بيت المال وأطلق العبد من الرق وأرسل إلى المرأة أن مالها قد صار فى بيت المال تأخذه فى أى وقت شاءت. فقال: إن فى الحديث رواية أخرى تفيد أن الحادثة مع أنس بن مالك.
ونقل صاحب البحر فى باب السلم (?) عن الهادى أنه يجوز قبول ما يحمل لتبرأ ذمة المعجل فإن امتنع فوجهان: قيل: يجبره الحاكم إذ هو حق عليه، وقيل: لا بل يقبضه إلى بيت المال حتى يقبله لفعل عمر ذلك، وقد نسب هذا إلى بعض أصحاب الشافعى وقال: إنه قوى.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية (?) : " البائع بتأخير يجب قبض الثمن لو دفعه إلى البائع مع الحلول مطلقا وفى الأجل أى بعده لا قبله لأنه غير مستحق حينئذ وجاز تعلق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل فإن الأغراض لا تنضبط.
موت أحد المتداينين والحجر على المدين
يرى الأحناف أن الأجل يسقط بموت المدين. قال الكاسانى (?) : لو مات المسلم إليه قبل الأجل حل الدين، وكذا كل دين مؤجل سواه إذا مات من عليه الدين والأصل فى هذا أن موت من عليه الدين يبطل الأجل، وموت من له الدين لا يبطل لأن الأجل حق المدين لا حق صاحب الدين فتعتبر حياته وموته فى الأجل وبطلانه. وفى الأشباه والنظائر لابن نجيم (?) : إن الأجل يحل بموت المدين ولو حكما باللحاق مرتدا بدار الحرب ولا يحل بموت الدائن ويسقط أيضا عندهم بتنازل المدين عن الأجل المضروب باعتباره صاحب الحق فيه ما لم يكن فى ذلك ضرر بالدائن على ما بينا فى موضوع إبطال المدين حقه فى الأجل.
مذهب المالكية:
جاء فى متن خليل والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليهما (?) : وحل بموت المدين ما أجل عليه من الدين لخراب ذمته ما لم يشترط المدين عدم حلوله به وما لم يقتل الدائن المدين عمدا فلا يحل كما لا يحل بموت رب الدين ولو كان الدين دين كراء لدار أو دابة أو عبد فإنه يحل بموت المكترى وقال الدسوقى: إنه لو طلب بعض الغرماء بقاء دينه مؤجلا لم يجب لذلك لأن للمدين حقا فى تخفيف ذمته بحكم الشرع أما لو طلب جميع الغرماء بقاء ديونهم مؤجلة كان لهم ذلك. ثم قال: إن ذلك هو المشهور من المذهب، ومقابله أن الدين المؤجل لا يحل بالموت كما لا يحل بالفلس. وانتهى بقوله: فالدين إنما يحل بموت من عليه الدين لا بموت من له الدين.
مذهب الشافعية:
قال الشافعى (?) : إذا مات الرجل وله على الناس ديون إلى أجل فهى إلى أجلها لا تحل بموته، ولو كانت الديون على الميت إلى أجل فلم أعلم مخالفا حفظت عنه ممن لقيت بأنها حالة يتحاص فيها الغرماء ويمكن أن يستدل بهذا بما جاء فى "الأم" أيضا: لما كان غرماء الميت أحق بماله فى حياته كانوا أحق بماله بعد وفاته من ورثته، فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما ندعها فى الحياة كنا منعنا الميت أن تبرأ ذمته ومنعنا الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه. وجاء فيها: ولعل من حجتهم أن يقولوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه ". قال الشافعى: فلما كان كفنه من رأس ماله دون غرمائه ونفسه معلقة بدينه وكان المال ملكا له أشبه أن يجعل قضاء دينه، لأن نفسه معلقة بدينه ولم يجز أن يكون مال الميت زائلا عنه فلا يصير إلى غرمائه ولا إلى ورثته، وذلك أنه لا يجوز أن يأخذه ورثته دون غرمائه، ولو وقف إلى قضاء دينه علق روحه بدينه وكان ماله معرضا أن يهلك فلا يؤدى عن ذمته ولا يكون لورثته فلم يكن فيه منزلة أولى من أن يحل دينه ثم يعطى ما بقى ورثته.
مذهب الحنابلة:
ينص الحنابلة (?) على أن من مات وعليه ديون مؤجلة ففى حلولها بالموت روايتان: إحداهما لا تحل إذا وثقها الورثة وهو قول ابن سيرين. والرواية الأخرى أنه يحل بالموت وبه قال الشعبى والنخعى لأنه لا يخلو أما أن يبقى فى ذمة الميت أو الورثة أو يتعلق بالمال لا يجوز بقاؤه فى ذمة الميت لخرابها وتعذر مطالبته بها، ولا ذمة الورثة لأنهم لم يلتزموها ولا رضى صاحب الدين بذممهم وهى مختلفة متباينة ولا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله لأنه ضرر بالميت وصاحب الدين ولا نفع للورثة فيه. أما الميت فلحديث: " الميت مرتهن بدينه حتى يقضى عنه " وأما صاحبه فيتأخر حقه وقد تتلف العين فيسقط حقه، وأما الورثة فإنهم لا ينتفعون بالأعيان ولا يتصرفون فيها وإن حصلت لهم منفعة فلا يسقط حظ الميت وصاحب الدين لمنفعة لهم.
وقد اختار الخرقى الرواية الأولى ووافقه على ذلك ابن قدامة مستدلا بقوله: ولنا أن الموت لا يوجب حلول ما عليه إذ الموت ما جعل مبطلا للحقوق إنما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: " من ترك حقا أو مالا فلورثته "، فعلى هذا يبقى الدين فى ذمة الميت كما كان ويتعلق بعين ماله كتعلق حق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه فإن أحب الورثة أداء الدين والتزامه للغريم ويتصرفون فى المال لم يكن لهم ذلك إلا أن يرضى الغرماء أو يوثق الحق بضمين ملىء أو رهن يثق به - الغريم- لوفاء حقه. وذكر القاضى أن الحق ينتقل إلى ذمم الورثة بموت مورثهم من غير أن يشترط التزامهم له ولا ينبغى أن يلزم الإنسان دين لم يلتزمه ولم يتعاط سببه ولو لزمهم ذلك لموت مورثهم للزمهم وإن لم يخلف وفاء.
ثم قال: وإن مات مفلس وله غرماء بعض ديونهم مؤجلة وبعضها حالة وقلنا: المؤجل يحل بالموت تساووا فى التركة فاقتسموها على قدر ديونهم وإن قلنا لا يحل بالموت نظرنا. فإن وثق الورثة لصاحب المؤجل اختص أصحاب الحال بالتركة، وإن امتنع الورثة من التوثيق حل دينه وشارك أصحاب الحال كى لا يفضى إلى إسقاط دينه بالكلية.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى (?) : وكل من مات وله ديون على الناس مؤجلة أو للناس عليه ديون مؤجلة فكل ذلك سواء، وقد بطلت الآجال كلها وصار كل ما عليه من دين حالا سواء فى ذلك كله القرض والبيع وغير ذلك. واستدل على ذلك بقوله تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ((?) وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام "، وقوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين ((?) فصح أن بموت الإنسان بطل حكمه عن ماله وانتقل إلى ملك الغرماء والموصى لهم ووجوه الوصايا والورثة ورغبة الغرماء فى تأجيل ما عليهم أو تأجيل ما على الميت إنما كان بلا شك بينهم دين المتوفى إذ كان حيا وقد انتقل الآن المال عن ملكه إلى ملك غيره فلا يجوز كسب الميت عليهم فيما قد سقط ملكه عنه ولا يحل للغرماء شىء من مال الورثة والموصى لهم والوصية بغير طيب أنفسهم فبطل حكم التأجيل فى ذلك ووجب للورثة وللوصية أخذ حقوقهم وكذلك لا يحل للورثة إمساك مال غريم متهم إلا بطيب نفسه لأن عقده إنما كان مع المتوفى إذ كان حيا فلا يلزمه أن يبقى ماله بأيدى ورثته لم يعاملهم قط ولا يحل لهم إمساك مال الذى له الحق عنه والله تعالى لم يجعل لهم حقا ولا للوصية إلا بعد إنصاف أصحاب الديون. وروى بسنده إلى الشعبى والنخعى أنهما قالا: من كان له الدين إلى أجل فإذا مات فقد حل كما روى عن الحسن البصرى أنه كان يرى الدين حالا إذا مات وعليه دين.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار (?) نقلا عن القاسم والناصر والمؤيد بالله من أئمتهم أنه لا يحل الدين المؤجل بموت من هو عليه الدين، إذ هو حق له فصار لوارثه وينتقل إلى ذمة الوارث بدليل جواز القضاء من ماله.
مذهب الإمامية:
جاء فى قلائد الدرر (?) أن الحسن بن سعيد سأل شيخه عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى ثم مات المقترض، أيحل مال القارض عند موت المستقرض منه أو للورثة من الأجل ما للمستقرض فى حياته؟ فقال: إذا مات فقد حل مال القارض.
وفى الروضة البهية (?) : وتحل الديون المؤجلة إذا مات المديون سواء فى ذلك مال السلم والجناية المؤجلة وغيرهما للعموم ولا تحل الديون المؤجلة بموت الدائن للأصل خرج منه موت المديون فيبقى الباقى. وقيل: يحل استنادا إلى رواية مرسلة وبالقياس على موت المدين وهو باطل.
سقوط الأجل بالحجر
مذهب الحنفية:
أما الحجر على المدين فإنه لا يسقط الأجل عندهم كما جاء فى الفتاوى الهندية (?) ويقول ابن نجيم (?) : إن ظاهر كلام الأحناف أن الجنون لا يوجب حلول الدين لإمكان التحصيل بوليه.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة (?) : سأل سحنون أستاذه عبد الرحمن بن القاسم عن المفلس إذا كانت عليه ديون إلى أجل، وديون قد حلت ففلسه الذين قد حلت ديونهم، أيكون للذين لم تحل ديونهم أن يدخلوا فى قول مالك؟ قال: نعم ولكن ما كان للمفلس من دين إلى أجل على الناس فهو إلى أجله. قلت أرأيت المفلس إذا كانت عليه ديون للناس إلى أجل أتحل إذا فلس فى قول مالك؟ قال: إذا فلس فقد حلت ديونهم عند مالك. ونقل عن ابن وهب أن مالكا قال: من مات أو فلس فقد حل دينه، وإن كان إلى أجل.
مذهب الشافعية:
قال الشافعى (?) : إذا أفلس الرجل وعليه ديون إلى أجل فقد ذهب غير واحد من المفتين ممن حفظت عنهم إلى أن ديونه التى إلى أجل حالة حلول دين الميت، واستدل لذلك بأن مال المفلس وقف كوقف مال الميت وحيل وبينه وبين أن يقضى من شاء. ثم قال: وقد يحتمل أن يباع لمن حل دينه ويؤخر الذين ديونهم متأخرة لأنه غير ميت فإنه قد يملك والميت لا يملك.
وفى المنهاج وشرحه (?) : ولا حجر بالدين المؤجل لأنه لا مطالبة فى الحال وإذا حجر بحال لم يحل المؤجل فى الأظهر والثانى يحل بالحجر كالموت بجامع تعلق الدين بالمال، وفرق صاحب الرأى الأول بخراب الذمة بالموت دون الحجر وعلق على ذلك قليوبى فى حاشيته بقوله: لا يجوز الحجر بالدين المؤجل مستقلا ولا يحسب من الدين من الذى يؤدى من المال ولا يطالب صاحبه، ولا يشارك عند القسمة فإن حل قبلها شارك صاحبه الغرماء كما فى شرح الروض، وقال عميرة فى حلول المؤجل بالجنون قولان: ونقل عن النووى أن المشهور الحلول.
مذهب الحنابلة:
يقول الخرقى (?) : إذا كان على المفلس دين مؤجل لم يحل بالتفليس. ويعلق على ذلك ابن قدامة بقوله: إن الدين المؤجل لا يحل بفلس من هو عليه رواية واحدة، قال القاضى: وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه يحل. ووجه ذلك أن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ولأنه لا يوجب حلول ماله فلا يوجب حلول ما عليه كالجنون والإغماء ولأنه دين مؤجل على حى فلا يحل قبل أجله كغير المفلس. فإذا حجر على المفلس. قال أصحابنا: لا يشارك أصحاب الديون المؤجلة غرماء الديون الحالة بل يقسم المال الموجود بين أصحاب الديون الحالة ويبقى المؤجل فى الذمة إلى وقت حلوله. ثم قال: وإن قلنا أن الدين يحل فإنه يضرب مع الغرماء بدينه كغيره من أرباب الديون الحالة.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم (?) : ويقسم مال المفلس الذى يوجد له بين الغرماء بالحصص على الحاضرين الطالبين الذين حلت آجال حقوقهم فقط، ولا يدخل فيهم حاضر لا يطلب ولاغائب لم يوكل ولا حاضر أو غائب لم يحل أجل حقه طلب أو لم يطلب لأن من لم يحل أجل حقه فلا حق له بعده "
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار فى موضوع الحجر على المدين (?) : قيل: لا يحجر فى دين مؤجل حتى يحل كما ليس له طلب الكفيل والرهن والحجر توثيق مثل الكفيل والرهن. وقال أبو جعفر: ذو الدين المؤجل كمن لا دين له. ثم قال: يصح الحجر لكل دين نقد أو غيره ويدخل فيه المؤجل تبعا للحال. ثم قال: والمذهب لا يحل به المؤجل لأنه لا وجه لسقوط الأجل لكن إذا انقسم المال ترك قسط المؤجل. وقيل: لا بل يستغرقه ذو الحال. ورد ذلك بأن الحق المؤجل تعلق بذمته، فاستووا.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية (?) : ولا تحل الديون المؤجلة بحجر المفلس عملا بالأصل خلافا لابن الجنيدى رحمه الله حيث زعم أنها تحل قياسا على الميت وهو باطل مع وجود الفارق بتضرر الورثة إن منعوا من التصرف إلى أن يحل وصاحب الدين إن لم يمنعوا بخلاف المفلس لبقاء ذمته.
الاعتياض عن الأجل
أجمع فقهاء المسلمين على أن مد الأجل الدين حال أو مؤجل نظير مال حرام ويعد من ربا النسيئة. (انظر: ربا)
مذهب الحنفية:
جاء فى باب الصلح (?) : "لا يصح الصلح عن ألف مؤجل عليه نصفه حالا إلا فى صلح المولى مكاتبه فيجوز، ويعلل ابن عابدين عدم الجواز بأنه اعتياض عن الأجل وهو حرام، وعلل الجواز فى المكاتب بأن معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعارضة فلا يكون هذا مقابلة الأجل ببعض المال ولكنه إرفاق من المولى يحط بعض المال ومساهلة من المكاتب فيما بقى قبل حلول الأجل ليتوصل إلى شرف الحرية.
مذهب المالكية:
جاء فى "المدونة" (?) ما يدل على منع البيع الذى يدخله ضع عنى وتعجل. وقد ذكر سحنون فيها صورا كثيرة من أوضحها أنه سأل ابن القاسم فقال: لو أنى أقرضت رجلا مائة أردب من الحنطة إلى سنة فجئته قبل الأجل فقلت له: أعطنى خمسين وأضع عنك الخمسين. أيصلح هذا أم لا؟ قال: قال مالك لا يصح هذا لأنه يدخله ضع عنى وتعجل والقرض فى هذا والبيع سواء. ونقل ابن القاسم وابن وهب عن مالك بسنده إلى مولى السفاح أنه أخبره أنه باع بزا من أصحاب دار بجلة إلى أجل ثم أراد الخروج فسألوه أن ينقدوه ويضع عنهم فسأل زيد بن ثابت عن ذلك فقال: لا آمرك أن تأكل ذلك ولا تؤكله، وذكر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا ينهون عنه.
مذهب الشافعية:
نص الشافعية على عدم صحة الصلح فى الدين المؤجل على تعجيل بعضه وترك الباقى كما لو صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة فإنه لا يصح لأنه جعل ترك الخمسة المتروكة فى مقابلة تعجيل الخمسة (?) .
مذهب الحنابلة:
جاء فى "المغنى" إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه: ضع عنى بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز. وروى عن أبى عباس أنه لم ير به بأسا، وروى ذلك عن النخعى وأبى ثور لأنه آخذ لبعض حقه تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدين حالا (?) .
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم (?) يجوز تعجيل بعض الدين المؤجل على أن يبرئه من الباقى فإن وقع رد وصرف إلى الغريم ما أعطى.
مذهب الزيدية:
يقول صاحب الزخار (?) : لو قال عجل لى وأنا أحط عنك كذا، ففعل من غير شرط فى العقد صح إجماعا، إذ لا مانع ولا يصح مع الشرط إذ يقتضى بيع الأجل، ونقل عن الهادى وأبى طالب أنه لا يصح مع الشرط وعن العباس والمؤيد بالله والإمام يحيى أنه يصح مع الشرط إذ الحط يلحق العقد وإذا جاز منفردا جاز مشروطا. وقال صاحب البحر أنه الأقرب إذ الشرط لا يقتضى الربا ولا يشبهه وذكر خلافا فيما إذا كان الدين فى غير السلم، ورجح أنه يصح، ثم قال: فأما الزيادة فى الحق ليزيد فى الأجل فمحرمة إجماعا لأنه ربا الجاهلية.
وقال صاحب البحر فى باب الكتابة (?) : فإن عجل البعض بشرط إسقاط الباقى فمذهب أبى طالب وبعض الفقهاء أنه لا يصح لشبهه بربا الجاهلية حيث كانوا عند حلول الأجل يطلبون القضاء أو زيادة لأجل المهلة، وقال المؤيد بالله وبعض الفقهاء: يجوز استحسانا، وقال صاحب البحر: إنه الأقرب للمذهب وليس بربا.
مذهب الإمامية:
يقول صاحب الروضة (?) : ولو جعل لحال ثمنا ولمؤجل أزيد منه، أو فاوت بين أجلين فى الثمن بأن قال: بعتك حالا بمائة ومؤجلا إلى شهرين بمائتين أو مؤجلا إلى شهر بمائة، أو شهرين بمائتين بطل لجهالة الثمن. وفى المسألة قول ضعيف بلزوم أقل الثمنين إلى أبعد الأجلين.
مدة الأجل:
مدة الأجل فيما لا حظر فيه تختلف باختلاف موضوعها كالسلم وخيار الشرط والكتابة والإجارة ومثل آجال العدة ومدة الحمل وغير ذلك مما يتبين فى مواضعه من المصطلحات المناسبة كمصطلح عدة وحمل ومرتد ومفقود وخيار شرط، وخيار التعيين والسلم والكتابة والإجارة فيرجع فى بيان أحكامه إلى هذه المصطلحات.