هو كما قال: كما قد بسط في غير هذا الموضع؛
فإن عيسى مخلوق وهم يجعلونه نفس الكلمة ولا يجعلونه المخلوق بالكلمة. وأيضاً فأئمة النصارى كـ (نشتكين) أحد فضلائهم الأكابر يقولون: "إن الله ظهر في سورة البشر مترائياً لنا كما ظهر كلامه لموسى في الشجرة، فالصوت المسموع هو كلام الله وإن كان خلقه في غيره وهذا المرئي هو الله وإن كان قد حل في غيره ... " (?).
الوجه السابع عشر إلى الوجه الخامس والعشرين:
أن من الحقائق الواقعية: أنه لم يكن نزاع بين المسلمين في كون القرآن الكريم كلام الله تعالى وأنه غير مخلوق.
حتى جاء دور الجهمية ووقعت الفتنة الكبرى، والقاصمة العظمى فصار الناس فريقين ولا ثالث للفرقدين.
وهذا أمرٌ لم يختلف فيه اثنان، ولم يتناطح فيه كبشان.
وإليك بيان ما عليه الفريقان؛ إن كان لك أذنان:
الفريق الأول: أتباع الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين سلف هذه الأمة وهم أهل السنة والجماعة أصحاب الحديث والفقه وأئمة السنة.
فكانوا يقولون: القرآن غير مخلوق.
الفريق الثاني: هم الجهمية أتباع اليهود والمجوس والصابئين.
فكانوا يقولون: القرآن غير مخلوق.
ولا يرتاب أحد أن هؤلاء الفريقين من أهل السنة وأهل البدعة جميعاً يقصدون هذا القرآن العربي المؤلف من السور والآيات التي كان هؤلاء الفريقان يتلونها آناء الليل وأطراف النهار، فكان النزاع في هذا القرآن الموجود بين أظهر المسلمين الذين يقرؤونه بكرة وأصيلاً سجداً وقياماً راكعين ساجدين ليس إلا.
ولم يقل أحد منهم أن "الكلام النفسي" مخلوق أو غير مخلوق، ولا أحد تصور ذلك فضلاً أن يقوله ويجعله مقالة يدعو إليها.
لأن بدعة "الكلام النفسي" قد ابتدعها ابن كلاب وتوفي بعد (240هـ) كما تقدم تحقيقه في كلام شيخ الإسلام وغيره من أئمة السنة. واعترف بذلك التاج السبكي عبد الوهاب (771هـ) الأشعري وقبله إمامه الشهرستاني (548هـ) اعترافاً واضحاً قاطعاً للنزاع (?).كما اعترف به الزبيدي الحنفي الماتريدي (1205هـ) (?).بل اعترف بذلك رافع لواء الجهمية ومجدد الماتريدية الكوثري الجركسي أيضاً (?).
بل اعترف بهذه الحقيقة قبل الكوثري والزبيدي كبار أئمة الماتريدية منهم فيلسوفهم التفتازاني (792هـ) وغيره من أساطين الماتريدية.
فاستمع أيها المسلم طالب الحقيقة إلى كلامهم:-
قال التفتازاني: "وتحقيق الخلاف بيننا وبينهم - (أي المعتزلة) - يرجع إلى إثبات "الكلام النفسي" ونفيه. وإلا فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف - (أي بعدم كونها مخلوقة) - وهم - (أي المعتزلة) - لا يقولون بحدوث الكلام النفسي - أي بكونه مخلوقاً" (?).
وقال متكلم الماتريدية الهندية الفريهاري (كان حياً 1239هـ (:
"فلا نزاع - أي بين الماتريدية وبين المعتزلة - فإنا إذا قلنا: القرآن غير مخلوق أردنا النفسي".
وإذا قالوا: القرآن مخلوق أرادوا "اللفظي".
فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف بل بحدوثه كما قالت المعتزلة، وهم لا يقولون بحدوث النفسي بل ينكرون وجوده. ولو ثبت عندهم لقالوا بقدمه مثل ما قلنا ... " (?).