"إن صفة الكلام إما راجعة إلى صفة العلم بهذه المعاني كما قيل؛ أو إلى صفة قدرة التفسير عنها وإظهارها كما يمكن أن يقال".ثم قال مختاراً محتاراً: "إن صفة الكلام لا تنكشف بهذا البيان فينبغي أن يحال علمه إلى الله ويُعْتَرفَ بأن له كلاماً ... (?) بل صرح جرجانيكم (816هـ) مجرجراً بأن الكلام النفسي هو العزم والتخيل (?) ولا شك أن القدرة على الكلام أو العلم به أو العزم عليه أو تخيله غير الكلام بلا ريب وكل هذا لا يسمى كلاماً حتى باعتراف من اعترف منكم.

إذن ليس هذا إلا تضليلاً وتعطيلاً لهذه الصفة، وتخريفاً وتحريفاً لنصوصها، فهذا التحريف كتحريفكم لصفة "اليد" إلى "القدرة".

وقد تقدم شهادة إمامكم الأعظم الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى (150هـ) مع شهادات ثمانيةٍ آخرين من كبراء أئمتكم أمثال البزدوي (482هـ) والسرخسي (490هـ) والنسفي (710هـ) والبخاري (730هـ) والمغنيساوي (كان حيا 939هـ) والقاري (1014هـ) وشيخ زاده (1078هـ) والبياضي (1098هـ) على أن تأويل صفة "اليد" بصفة "القدرة". إبطال لصفة "اليد" وهو مذهب أهل القدر والاعتزال.

فهل تتعظون بنصوص أئمتكم؟ أم تصرون على مخالفة أئمتكم؟ مع مخالفة العقل والنقل، واللغة والعرف والإجماع في آن واحدْ!!

الوجه السادس عشر:

أن القول بالكلام النفسي قولكم بأفواهكم، ولا نظن بكم أن قلوبكم تشهد له، لأنه خلاف المعقول الصريح والمنقول الصحيح والفطرة والإجماع واللغة والعرف جميعاً في آن واحد كما تقدم.

بل هو قول به تضاهئون قول الذين كفروا من قبل، وهم النصارى.

قال الإمام ابن أبي العز الحنفي (792هـ):

"وهنا معنى عجيبٌ، وهو: أن هذا القول له شبهٌ قوىٌ بقول النصارى القائلين، باللاهوت والناسوت.

فإنهم يقولون: كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه، وأما النظم المسموع فمخلوق؛

فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى عليه السلام. فانظر إلى هذا الشبه ما أعجبه! " (?).قلتُ: هكذا طريقة الجهمية الأولى وأهل الحلول المطلق والمقيد، والاتحاد (?). ولسان حال هؤلاء الطوائف المتشابهة ينشد ما يلي:

رق الزجاج وراقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر

فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر

فتشابها بما كلتاهما نجلاء ... بل أقول: لو سمحت لي الماتريدية لأبوح لهم: إن قولكم: "إن موسى لم يسمع كلام الله على الحقيقة بل سمع صوتاً مخلوقاً في الشجرة، هو عين كلام النصارى ولعلكم أخذتموه من النصارى إما بواسطة بشر المريسي الحنفي الجهمي إمام المرجئة المريسية (228هـ) أو غيره. قال شيخ الإسلام: "كان المريسي قد صنف كتاباً في نفي الصفات وجعل يقرؤه بمكة في أواخر حياة ابن عيينة، فشاع بين علماء أهل مكة ذلك، وقالوا: "صنف كتاباً في التعطيل". فسعوا في عقوبته وحبسه وذلك قبل أن يتصل بالمأمون ويجري من المحنة ما جرى، وقول ابن عيينة" ما أشبه هذا الكلام بكلام النصارى" (?).-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015