وهكذا اعترف الشهرستاني (548هـ) الأشعري بأن قول السلف والحنابلة بالاتفاق: إن ما بين الدفتين كلام الله وإن ما نقرأه ونسمعه ونكتبه عين كلام الله على الحروف وأنه غير مخلوق.
وكانت مقالة المعتزلة على خلاف مقالة السلف. ثم جاء الأشعري بأبدع مقالة ثالثة وخرق الإجماع وحكم بأن ما نقرأه، كلام الله مجازاً (?).ولصدق المرعشي الحنفي الماتريدي (1150هـ) بأن مذهب السلف أن كلامه تعالى هو العبارات المنظومة (?).
وإذا اعترفت الماتريدية وخلطاؤهم الأشعرية بهذه الحقيقة من أن خلاف أهل السنة جميعاً وأهل البدعة كان في هذا القرآن العربي المؤلف من السور والآيات - تبين بإتقان وإيقان - لا يرتاب فيه اثنان.
ما يلي من الحقائق المبنّية على اعترافهم السابق:
الأولى: أن الماتريدية والأشعرية خرقوا بكلامهم النفسي إجماع أهل الحق وأهل الباطل جميعاً.
الثانية: أنهم أحدثوا مذهباً ثالثاً بعد مذهبين.
الثالثة: أنهم قائلون بخلق القرآن كسلفهم الجهمية دون أي فرق.
الرابعة: أنهم جمعوا بين بدعة الجهمية من القول بخلق القرآن وبين بدعة القول بالكلام النفسي.
الخامسة: أن الجهمية الأولى ابتدعوا بدعة واحدة وهي بدعة القول بخلق القرآن لكن هؤلاء زادوا بدعة أخرى وهي بدعة الكلام النفسي.
السادسة: أنهم أهل البدعة جهمية، أتباع الجهمية الأولى لِجَهْرِهم دون حياءٍ بالقول بخلق القرآن.
فأنَّى لهم أن يكونوا من أهل السنة؟ وقد ارتكبوا بدعة الجهمية من القول بخلق القرآن وزادوا بدعة الكلام النفسي، مع بدعهم الأخرى الكثيرة.
السابعة، والثامنة: أن هؤلاء معطلة لصفة "كلام" الله تعالى، ومحرفة لنصوصها بدليل ما يأتي:
التاسعة: أن حمل نصوص الكتاب والسنة وتصريحات سلف الأمة وأئمة السنة على "الكلام النفسي" تحريفٌ وتحريفٌ وضلال وإضلالٌ.
كما أن حملها على "الكلام" الذي تقصده الماتريدية إفساد وإبطال.
لأن هذه اصطلاحات مبتدعة محدثة بعد لغة القرآن والسنة وسلف الأمة؛
فيكون حمل نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وتصريحات أئمة السنة-
مع تلك الكثرة الكاثرة التي تزيد على آلاف الآلاف - على تلك المصطلحات الكلامية المبتدعة تحريفاً محضاً بحتاً، فقد صرح مجددهم الكوثري (1371هـ) بأن حمل النصوص من الآيات والآثار على المصطلحات التي وجدت بعد عهد التنزيل بدهور-
بُعْدٌ عن تخاطب العرب وتفاهم السلف، واللسان العربي،
ومن زعم ذلك زاغ عن منهج الكتاب والسنة وتنكب سبيل السلف الصالح.
قلت: لقد أنطق الله هذا الكوثري ببعض الحق فاعترف كما ترى ولكن هذا الاعتراف ليس في صالحه ولا في صالح أمته الماتريدية بل وبال عليهم جميعاً فالكوثري والماتريدية جميعاً قد خالفوا اعترافهم وحملوا نصوص الكتاب والسنة وآثار سلف هذه الأمة وأقوال أئمة السنة على اصطلاحاتهم المبتدعة بعد عهد التنزيل بدهور.
فقد حملوا نصوص أمثال الأئمة: أبي حنيفة وأبي يوسف وابن المبارك على الكلام النفسي كما سبق وما سيأتي إن شاء الله.
فهم - باعترافهم- قد نابذوا تخاطب العرب وعاكسوا تفاهم السلف وحرفوا اللسان العربي، وزاغوا عن منهج السلف وتنكبوا سبيل السلف الصالح.
حيث حملوا نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف على "الكلام" النفسي" الذي لم يخطر بخواطرهم، فكيف تحمل نصوصهم عليه؟.
وفيما يلي بعض النماذج:-
أ- استدل الإمام أبو منصور الماتريدي (333هـ).
لإثبات صفة "الكلام" لله تعالى بقوله سبحانه وتعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] وقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ [البقرة: 118]