المبحث الثالث: بيان مخالفة متأخّري الأشاعرة للأشعري ولكبار أصحابه

لا بد أن يعلم أيضاً أن ابن كلاب، والأشعري، وكبار أصحابه كأبي الحسن الطبري، وأبي عبدالله بن مجاهد الباهلي، ثم من بعدهم كأبي بكر الباقلاني وأبي إسحاق الإسفرائيني، لم يختلف قولهم في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى التي في القرآن كالوجه، واليدين، والعينين، والاستواء، ونحوها، وإبطال قول من نفاها وتأولها، ولم ينقل عنهم غير ذلك، وليس لهم فيها قولان، وهذه كتبهم موجودة، ليس فيها حرف من تأويلها أو ذكر قولين، ومن قال غير ذلك فقد وهم، وإنما أدخل هذا في مذهبه متأخرو الأشاعرة كأبي المعالي الجويني والرازي وأبي حامد ونحوهم. قال أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي الحافظ صاحب كتاب (اللوامع في الجمع بين الصحاح والجوامع) في بيان مسألة الاستواء من تأليفه: "ورأيت هؤلاء الجهمية – يشير إلى متأخري الأشاعرة -، ينتمون – في نفي العرش، وتعطيل الاستواء – إلى أبي الحسن الأشعري، وما هذا بأول باطل ادعوه، وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه الموسوم بـ (الإبانة عن أصول الديانة) أدلة من جملة ما ذكر على إثبات الاستواء، وقال في جملة ذلك: "ومن دعاء أهل الإسلام جميعاً إذا رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل بهم، يقولون جميعاً: يا ساكن العرش"، ثم قال: "ومن حلفهم جميعاً قولهم: لا والذي احتجب بسبع سماوات" (?) اهـ ........

وقد درس الشيخ أبو زهرة منهج أبي الحسن الأشعري ولخصه في النقاط التالية:

1 - أنه يرى الأخذ بكل ما جاء به الكتاب والسنة في مسائل الاعتقاد، ويحتج بكل وسائل الإقناع والإفحام في تأييد ذلك.

2 - أنه يأخذ بظواهر النصوص في الآيات الموهمة للتشبيه من غير أن يقع في التشبيه، فهو يعتقد أن لله وجهاً لا كوجه العبيد، وأن لله يداً لا تشبه أيدي المخلوقات.

3 - أنه يرى الاحتجاج بحديث الآحاد في العقائد، وهو دليل لإثباتها، وقد أعلن اعتقاد أشياء تثبت بأحاديث الآحاد.4 - أنه في آرائه كان يجانب أهل الأهواء جميعاً والمعتزلة، ويجتهد في أن لا يقع فيما وقع فيه كثير من المنحرفين (?).

¤الأشاعرة في ميزان أهل السنة لفيصل الجاسم - ص 727

طور بواسطة نورين ميديا © 2015