أبو الحسن علي بن مهدي الطبري:
قال الذهبي في "العلو" نقلاً عنه: "قال الإمام أبو الحسن علي بن مهدي الطبري تلميذ الأشعري في كتاب (مشكل الآيات) له في باب قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]: "اعلم أن الله في السماء، فوق كل شيء، مستو على عرشه، بمعنى أنه عال عليه، ومعنى الاستواء الاعتلاء، كما تقول العرب: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح، بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوى الطير على قمة رأسي، بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي، فالقديم جل جلاله عال على عرشه، يدلك على أنه في السماء عال على عرشه قوله: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء [الملك: 16]، وقوله: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران: 55]، وقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: 10]، وقوله: ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة: 5]
وزعم البلخي أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء عليه، مأخوذ من قول العرب: استوى بشر على العراق، أي استولى عليها، وقال: إن العرش يكون "الملك"، فيقال له: ما أنكرت أن يكون عرش الرحمن جسماً خلقه، وأمر ملائكته بحمله؟ قال وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة: 17]، وأمية يقول:
مجدوا الله فهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق الناس ... وسوى فوق السماء سريرا
قال: مما يدل على أن الاستواء ههنا ليس بالاستيلاء أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستول على العرش، وعلى الخلق، ليس للعرش مزية على ما وصفته، فبان بذلك فساد قوله.
ثم يقال له أيضاً: إن الاستواء ليس هو الاستيلاء الذي هو من قول العرب: استوى فلان على كذا، أي: استولى، إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكناً، فلما كان الباري عز وجل لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكناً لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء.
ثم ذكر ما حدثه نفطويه عن داود بن علي عن ابن الأعرابي – وقد مر – ثم قال: فإن قيل: ما تقولون في قوله: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء [الملك: 16]؟ قيل له: معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال: فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ [التوبة: 2]، بمعنى: على الأرض، وقال: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: 71]، فكذلك: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء [الملك: 16]. فإن قيل: فما تقولون في قوله: وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3]؟ قيل له: إن بعض القراء يجعل الوقف في: السَّمَاوَاتِ، ثم يبتدئ: وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ، وكيفما كان فلو أن قائلاً قال: فلان بالشام والعراق ملك، لدل على أن ملكه بالشام والعراق، لا أن ذاته فيهما ... ".إلى أن قال: "وإنما أمرنا الله برفع أيدينا قاصدين إليه برفعهما نحو العرش الذي هو مستو عليه" (?) اهـ. قلت: فانظر إلى حكايته عن المعتزلة القول بأن العرش: الملك، ثم انظر إلى ما قاله عبدالقاهر البغدادي في الاستواء: "والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية على معنى الملك" (?) اهـ. وانظر أيضاً إبطاله لتفسير الملك بالاستيلاء والقهر، وجعل هذا من أقوال الجهمية، ثم انظر إلى ما قاله أبو المعالي الجويني: "لم يمتنع منا حمل الاستواء على القهر والغلبة" (?) اهـ.