المقصود هنا بيان انقطاع هذه الصلة: وذلك من وجوه: الوجه الأول: إن السلف لم يؤولوا نصوص الصفات، بل أمروها كما جاءت وأجمعوا على ذلك، وقد أقر بهذا الجويني (?). لا يقال إنهم قد أولوا تأويلاً إجمالياً لثلاثة أمور: الأمر الأول: إنه قد ورد عنهم إثبات الصفات ومنهم الصحابة كما مر بل لقد أجمع التابعون على ذلك كما قال الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته" (?).
الأمر الثاني: إن مدعي ذلك لم يأت بما يصحح دعواه.
والأمر الثالث: إن في ترك الصحابة والتابعين النصوص على ظاهرها دليلاً على أنهم يقولون بموجبها وبما دلت عليه، إذ يستحيل أن يكون ظاهرها يوجب التشبيه ثم لا يبينون ذلك ولا مرة واحدة. الوجه الثاني: إن هؤلاء الأئمة الذين يفتخر الأشاعرة بالانتماء إليهم قد ذموا الكلام وأهله، فمن ذلك قول الإمام الشافعي: "والله لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك به خير له من النظر في الكلام" (?) وقال ابن الماجشون "إياك والكلام فإن لأخره أول سوء" (?) وقال الإمام أحمد "من تعاطى الكلام لم يفلح، ومن تعاطى الكلام لم يخل من أن يتجهم" (?) وكلامهم في هذا الباب كثير جداً؛ وهذا خلاف ما عليه الأشاعرة.
الوجه الثالث: إن هؤلاء الأئمة لم يكونوا يردون الأخبار الصحيحة بأقيستهم وعقولهم، بل كانوا يسلمون بها، وهذا قد مر ذكر شيء منه في (التمهيد). وهذا خلاف ما عليه الأشاعرة. وبالجملة فكل ما تقدم نقله عن الأئمة الأعلام من إثبات الاستواء والوجه والعينين وأن القرآن كلام الله غير مخلوق يخالف ما عليه الأشعرية (?).
ومن وقف على كتب الأئمة المصنفة في العقيدة علم يقيناً بلا ريب ولا شك أنهم يؤمنون بما وردت به الأخبار من الصفات وبقية مسائل العقيدة، وعلى سبيل المثال من هذه الكتب: السنة لعبدالله بن أحمد – خلق أفعال العباد للبخاري – التوحيد لابن خزيمة – عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني – و (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية) لابن بطة، وشرح السنة للبربهاري – وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي.
¤منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 659