ولذلك فقد سلك أبو الحسن الأشعري لإثبات الصفات طريقة شرعية بالكتاب والسنة في كتابه (الإبانة).فمن ذلك قوله: " ... وأن الله استوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، وأن له سبحانه وجهاً بلا كيف كما قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 27]، وأن له سبحانه يدين بلا كيف كما قال سبحانه: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75] وكما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64] وأن له سبحانه عينين بلا كيف، كما قال سبحانه: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر: 14] ... " (?) إلخ. وأما في المسائل فمخالفاتهم له أيضاً كثيرة منها: أن أبا الحسن الأشعري قد أثبت صفات نفاها المتأخرون من الأشعرية فمن ذلك: الاستواء، والوجه، واليدين، والعينين، والأصابع (?)، والنزول (?)، والمجيء (?)، والقرب (?).وقال في رسالته إلى أهل الثغر في الإجماع العاشر مما أجمع عليه أهل السنة: "وأجمعوا على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكيف له، وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم" (?).
¤منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 661
وقد صرح الأشعري أن أهل الحديث هم أهل الحق فقال "الحق والصواب ما عليه أهل الحديث الذين يثبتون آيات وأحاديث الصفات، القائلين بأن لله يدين ووجهاً وعينين وسمعاً وبصراً وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وأنه يجيء يوم القيامة كما أخبر، وأنه يقرب من خلقه كيف شاء لا يتأولونها" (?).
فأهل الحديث لا يتأولونها، والأشاعرة إما يحرفون المعنى ويسمونه تأويلا، وإما يتجاهلون المعنى ويسمونه تفويضا، وكلاهما مخالف لأهل الحديث.
4) أن ابن حجر نقد علم الكلام نقدا شديدا ودعا إلى تركه، ومعلوم أن المذهب الأشعري قد شيدت أركانه على علم الكلام. قال ابن حجر "ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين: ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبدالعزيز ومالك والشافعي، وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة ماتوا ولم يعرفوا الجوهر ولا العرض .. وقد أفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك، وببعضهم إلى الإلحاد". "وصح عن السلف أنهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب (?).- وكان يحذر من مغالطات الجوهر والعرض، لما لها من نتائج فاسدة فيقول: "وكان مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: التوحيد. بل هو أصل ما أمر به، فلم يترك شيئا من أمور الدين إلا بلغه، ثم لم يدع إلى الاستدلال بما تمسكوا به من الجوهر والعرض" (?) قال: "فالحذر من كلامهم والاكتراث بمقالاتهم فإنها سريعة التهافت".
ونقل عن أبي المظفر السمعاني "بيان فساد طريقة" المتكلمين في تقسيم الأشياء إلي جسم وجوهر وعرض. وزعمهم أن الجسم ما اجتمع من الافتراق، والجوهر ما حمل العرض، والعرض ما لا يقوم بنفسه. "فجعلوا الروح من الأعراض".وحتى الجويني فإنه صرح أن "الجوهر والعرض ألفاظ اصطلح عليها المتكلمون ولم يكن معروفاً عند السلف" (?).5) أن ابن حجر ذكر أن الرازي الأشعري "أوصى بوصية تدل على أنه حسن عقيدته" (?). فعلى أي عقيدة كان وعلى أي عقيدة مات؟
وكيف يكون ابن حجر موافقا له على عقيدته وقد كان الرازي قبل موته أشعري الاعتقاد. وهل التوبة إلا عن هذا المذهب؟ 6) أن ابن حجر انتقد موقف أهل الكلام من خبر الواحد وأيد موقف أهل الحديث ووقف موقف الشافعي (?).
فقد ذكر أربعة أنواع للخبر المحتف بقرائن الصحة، وأهمها آخرها وهو التلقي الرابع:
قال "وهذا التلقي وحده أقوى من إفادته العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر".وقال الحافظ " .. منها ما أخرجاه في الصحيحين مما لم يبلغ حد المتواتر، فإنه احتفت به قرائن منها: جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تميز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول" (?).7) أن ابن حجر نقل تشنيع أهل الحديث واللغة على قول المعتزلة استوى أي استولى (?). ولو كان أشعريا لوافق الأشاعرة على تأويل الاستواء بالاستيلاء الذي قلدوا فيه المعتزلة.
¤موقف ابن حزم من المذهب الأشعري لعبد الرحمن دمشقية - ص 17