الفصل السادس: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري وبالسلف

المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

ومن ذلك:-إن أبا الحسن نفسه قد تكلم في دليل المتكلمين لإثبات وجود الله، وبين أنه لا يسوغ الاستدلال به، وأن الواجب الاستدلال بدليل الآيات فقال: "ما يستدل به من أخباره عليه السلام على ذلك أوضح دلالة من دلالة الأعراض التي اعتمد على الاستدلال بها الفلاسفة ومن اتبعهم من القدرية وأهل البدع المنحرفين عن الرسل عليهم السلام" (?) ثم أخذ يبين صعوبة هذا المسلك وما يرد عليه من إشكالات في المقدمات الطوية الخفية، ثم بين سبب اعتماد الفلاسفة على هذه الطريقة فقال: "وإنما صار من أثبت حدث العالم والمحدث له من الفلاسفة إلى الاستدلال بالأعراض والجواهر لدفعهم الرسل وإنكارهم لجواز مجيئهم" (?) وأما المؤمنون بالرسل فإنهم قد تلقوا عنهم أقرب الطرق وأسهلها لمعرفة الله وأبعدها عن الشبه، ثم بين الحكم بأنه يحرم اتباع طريقة هؤلاء فقال: "وإذا كان العلم قد حصل لنا بجواز مجيئهم في العقول، وغلط من دفع ذلك، وبأن صدقهم بالآيات التي ظهرت عليهم، لم يسع لمن عرف من ذلك ما عرفه أن يعدل عن طريقهم إلى طرق من دفعهم وأحال مجيئهم" (?).

ومن مخالفة الأشعرية كذلك لأبي الحسن الأشعري المنهجية: اعتمادهم على المقاييس العقلية التي هي في الحقيقة في أكثرها شبهات، ومنعهم الاستدلال بالدليل النقلي مطلقاً في بعض المسائل، وفي بعضها إلا بعد العلم بعدم المعارض العقلي – فهذا يخالف ما عليه منهج الأشعري الذي نص على وجوب اتباع الطريقة الشرعية، وقوى اختياره هذا بحجج منها:1 - قال: "إن الله أغناهم عن التطلع إلى غيرها من البراهين, ودلل على ذلك بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3] وليس يجوز أن يخبر الله عز وجل عن إكمال الدين مع الحاجة إلى غير ما أكمل لهم الدين به" (?) اهـ.2 - إن الله عز وجل قد ذم المشركين في تقليدهم لمن يعظمونه، وأمر بطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وتكفل بحفظ هذا الدين إلى آخر الزمان، ليقوم حجة على الناس لأنه قد ختم الرسالة بمحمد –صلى الله عليه وسلم- ثم بين الرسول صلى الله عليه وسلم للناس في حجة الوداع أنهم لن يضلوا ما تمسكوا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على كفاية الطريقة الشرعية وغناها عما سواها (?).3 - ثم بين الأشعري سلامة الأدلة الشرعية من الطعن والقدح، بدليل عدم طعن المشركين فيها – فلو كان فيها شيء من الخلل والتشبيه ونحو ذلك لسارع المشركون إلى بيانه فقال. "ولم يدع صلى الله عليه وسلم لسائر من دعاه على توحيد الله حاجة إلى غيره ولا لزائغ طعناً عليه" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015