مع شدة الوثوق بدليل العقل بقيت إشكالات على الأشاعرة لم يستطيعوا الإجابة عنها، فيقعون إما في الحيرة أو الرجوع إلى دليل السمع. فمن ذلك أن الشهرستاني لما ذكر ما أورد على الأشاعرة في مسألة تعلقات الكلام بأنه يلزمهم إثبات صفة واحد أو نفي كل الصفات قال: "ثم هل تشترك هذه الحقائق والخصائص في صفة واحدة؟، فتلك الطامة الكبرى على المتكلمين، حتى فر القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله عنه منها إلى السمع، وقد استعاذ بمعاذ والتجأ إلى ملاذ والله الموفق" (?) ولم يعقب بشيء، وفي إقراره للباقلاني بالاستدلال بدليل السمع يفيد أن له شعوراً عميقاً بعدم الوثوق بالأدلة العقلية الوثوق التام. ومن ذلك قول الشهرستاني نفسه لما أوردت شبهات كثيرة في مسألة جواز وقوع الرؤية عقلاً فقال: "واعلم أن هذه المسألة سمعية، أما وجود الرؤية فلا شك في كونها سمعية، وأما جواز الرؤية فالمسلك العقلي ما ذكرناه، وقد وردت عليه تلك الإشكالات، ولم تسكن النفس في جوابها كل السكون ولا تحركت الأفكار العقلية إلى التفصي عنها كل الحركة، فالأولى بنا أن نجعل الجواز أيضاً مسألة سمعية" (?)!!

أليس هذا الكلام يناقض دعوى الوثوق بالعقل وأنه العمدة؟ - ثم على فرض أنه لا مدخل للعقل في إثبات جواز الرؤية، إلا أنه بقي شرط في الاستدلال بالدليل النقلي، وهو عدم وجود المعارض العقلي، كيف وهو قائم – على زعمهم – أليس هذا هو التناقض؟!.ومن ذلك أيضاً ما ذكره الرازي في المقابلة بين أدلة أصحابه الأشاعرة وبين أدلة المعتزلة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين ثم قال بعدها: "واعلم أن هذه المذاهب لما تلخصت على هذا الوجه، وظهر ما في كل واحد منها من المدائح والقبائح، فعند هذا قال أصحاب الحيرة والدهشة: إن هذه الدلائل ما بلغت في الوضوح والقوة إلى حيث تزيل الشك وتقطع العذر وتملأ بقوتها ونورها العقل، بل كل واحد منها يتوجه فيه نوع غموض، واللائق الرحيم الكريم أن يعذر المخطئ في أمثال هذه المضائق وعند هذا أتضرع وأقول: إلهي حجتي: حاجتي، وعدتي: فاقتي، ووسيلتي إليك: نعمتك علي، وشفيعي عندك: إحسانك إلي. إلهي أعلم أنه لا سبيل إليك إلا بفضلك، ولا انقطاع عنك إلا بعدلك، إلهي، لي علم كالسراب وقلب من الخوف خراب، وأنواع من المشكلات بعدد الرمل والتراب، ومع هذا فأرجوا أن أكون من الأحباب فلا تخيب رجائي، يا كريم يا وهاب. إلهي إنك تعلم أن كل ما قلته وكتبته ما أردت به إلا الفوز بالحق والصواب والبعد عن الجهل والارتياب، فإن أصبت فاقبله مني بفضلك، وإن أخطأت فتجاوز عني برحمتك وطولك يا ذا الجود يا مفيض الوجود" (?) اهـ.

¤منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 649

طور بواسطة نورين ميديا © 2015