إن الأصل الذي لأجله أول الأشاعرة النصوص الواردة بالصفات الفعلية هو نفي حلول الحوادث – فإن إثباتها يؤدي إلى إبطال دليل الحدوث الذي أثبتوا به وجود الله تعالى، فظهر من هذا أن أكبر مشكلة واجهتهم هي هذه، لأنها منافية لدليل الحدوث، ولكن مع هذا كله يبقى الكلام في أنه هل من حاجة إلى هذا الدليل؟ الجواب: لا، وذلك لأمرين: الأمر الأول: إن إثبات وجود الله أمر فطري، وقد أقر بهذا كبار علماء الأشاعرة كما تقدم النقل عن الشهرستاني (?). ومن هؤلاء الرازي فإنه عدد أصناف الناس من أهل الدنيا كلها ثم قال: "وكلهم مطبقون على وجود الإله" (?) وقال عن الوحدانية: "اعمل أنه ليس في العالم أحد يثبت لله شريكاً يساويه في الوجود والقدرة والعلم والحكمة، وهذا مما لم يوجد إلى الآن، لكن الثنوية يثبتون إلهين، أحدهما حكيم يفعل الخير، والثاني سفيه يفعل الشر، وأما الاشتغال بعبادة غير الله الذاهبين إليه كثرة." (?).الأمر الثاني: إن كبار المتبحرين في علم الكلام والغائصين في العقليات، جزموا بأن طريقة القرآن أقرب على الحق والصواب وأن طرق المتكلمين لا تخلوا من إشكال قال الرازي: "إن الدلائل التي ذكرها الحكماء والمتكلمون وإن كانت كاملة قوية، إلا أن هذه الطريقة المذكورة في القرآن عندي: أنها أقرب إلى الحق والصواب، وذلك لأن تلك الدلائل دقيقة، وبسبب ما فيها من الدقة انفتحت أبواب الشبهات وكثرت السؤالات، وأما الطريق الوارد في القرآن فحاصله راجع إلى طريق واحد، وهو المنع من التعمق، والاحتراز عن فتح باب القيل والقال، وحمل الفهم والعقل على الاستكثار من دلائل العالم الأعلى والأسفل، ومن ترك التعصب وجرب مثل تجربتي علم أن الحق ما ذكرته، ولما ثبت أن هذا الطريق الذي ذكره الله في القرآن أنفع، وفي القلوب أرجح، لا جرم أفردنا له باباً مستقلاً" (?).
فظهر من مجموع الأمرين السابقين؛ الفطرة مع كفاية دليل الآيات عن دليل الحدوث: أن الاعتماد على دليل الحدوث في إثبات وجود الله قول غير مستقيم، وكان عليهم أن يؤمنوا بما جاء به الكتاب والسنة من إثبات الصفات، إذ قد سلم بعضهم بأن دليل الحدوث ليس هو العمدة في إثبات وجود الله لما يرد عليه من إشكالات. فإن لم يرجعوا كان هذا تناقضاً واضطراباً.
المسألة الخامسة: القول بأن العقل هو العمدة مع بقاء إشكالات لم يستطيعوا الإجابة عنها عقلاً: