المسألة الثانية: قطعهم بعلمهم بالآخرة مع عدم تيقنهم بانتفاء المعارض العقلي في الدليل النقلي: إن المتكلم الأشعري بقوله إن الدليل النقلي لا يكفي بمجرده في الجزم بعدم المعارض العقلي يلزم القول بأن الأدلة النقلية كلها إما: "أنها تفيد ظناً أو لا تفيد علماً ولا ظناً، فإن قال: لا تفيد علماً ولا ظناً، فهو مع مكابرته للعقل والسمع والفطرة والإنسانية من أعظم الناس كفراً وإلحاداً، وإن قال: بل تفيد ظناً غالباً وإن لم تفد يقيناً قيل له: فالله سبحانه قد ذم الظن المجرد وأهله فقال تعالى: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم: 28] فأخبر أنه ظن لا يوافق الحق ولا يطابقه، وقال تعالى: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى [النجم: 23] وقال أهل النار إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: 32] ولكان قوله عن المؤمنين: وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: 4] خبراً غير مطابق، فإن علمهم بالآخرة إنما استفادوه من الأدلة اللفظية، لا سيما وجمهور المتكلمين يصرحون بأن المعاد إنما علم بالنقل" (?)." (?) اهـ.
فلا شك في وقوعهم في التناقض عندئذ في إثبات السمعيات بصورة قاطعة مع قولهم إن الدليل النقلي لا يكفي بمجرده في الجزم بعدم المعارض، إذ تصور تجويز إمكانه وارد على أصلهم فيسوغ تأويل السمعيات، فإن منعوا تأويلها وقعوا في التناقض.
المسألة الثالثة: الاضطراب في تحديد ما يستدل له بدليل العقل فقط أو بدليل النقل فقط:
فهم قد اتفقوا مثلاً على أن صفات الحياة والعلم والقدرة والإرادة أدلتها عقلية فقط، والسمع إنما يأتي على وجه التأكيد، ثم اختلفوا بعد ذلك في صفات البصر والسمع والكلام هل هي سمعية أو عقلية؟ ويظهر مثل هذا الاضطراب في مثل جواز إثبات رؤية الله تعالى – فمنهم من أثبت جواز وقوعها بالسمع فقط ومنهم من أثبت جواز وقوعها بالعقل (?).
المسألة الرابعة: تناقضهم في أصل الأدلة عندهم (دليل الحدوث):