الأول: إنه ما من شك في وجود المفعولات، فيلزم أحد أمرين، إما أن يقال: هي قديمة أزلية لأن الموجب لها وجود القدرة والإرادة، وهما صفتان أزليتان ولا شك في صلاحيتهما للإيجاد أزلاً، وإما أن يقال إنه قد حدث تخصيص في وقت معين لإحداث الفعل، وهو أمر لازم – وهم يسلمون به – ولكنهم يقولون إن الذي حدث هو التعلق، ولكن ما زال الإشكال باقياً: وهو هل هذا التعلق أمر وجودي أو عدمي؟ - فإن كان الأول فقد أثبتوا فعلاً اختيارياً ولابد وإن سموه تمويهاً بحلول الحوادث، وإن كان الثاني فإن العدم ليس بشيء فضلاً عن أن يوجد شيئاً ولهذا السبب اضطربوا في معنى التعلق فمنهم من أثبته أمراً وجودياً، ومنهم من عده من النسب والإضافات وأن الموجب لذلك الذات!! الثاني: إن المعنى الذي فروا إليه يلزمهم فيه نظير ما فروا منه بل أشد، فمثلاً تأويل الاستواء بالاستيلاء، فإن الاستيلاء دال على المغالبة كما قال أهل اللغة، فإنه قد جاء رجل إلى ابن الأعرابي فقال له: "ما معنى قول الله عز وجل الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] فقال: هو على عرشه كما أخبر عز وجل، فقال: يا أبا عبدالله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: اسكت: ما أنت وهذا، لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل استولى ... " (?) ويزداد قبح هذا التأويل بورود كلمة "ثم" الدالة على التراخي في قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] فقد لزمهم هنا ما هو أشد من المعنى الذي فروا منه. وهكذا يلزم الأشعري في تأويل الغضب فإن قال: "هو غليان دم القلب لطلب الانتقام، قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، فإن قلت (أيها الأشعري) هذه إرادة المخلوق، قيل لك وهذا غضب المخلوق" (?) فظهر من هذا أن الذي فر إليه الأشعري فيه من اللوازم نظير ما فر منه مما توهم فيه الباطل. ولذلك فإن الأشاعرة يلزمون هنا بما قد ذكروا من أن وجود بعض الاشتراك لا يوجب المماثلة، فكان يلزمهم ذلك في الصفات التي نفوها بزعم المشاركة والمشابهة، فمن أقوالهم في هذه المسألة قول الرازي فإنه قد قال: "فإن قيل المشاركة في صفات الكمال تقتضي المشاركة في الإلهية؟ قلنا: المشاركة في بعض اللوازم البعيدة مع حصول المخالفة في الأمور الكثيرة لا يقتضي المساواة في الإلهية، ولهذا المعنى قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]." (?) اهـ فظهر من هذا الاعتراف تناقضهم في التفريق بين المتماثلات.

ومما اعتمدوا عليه في التنزيه: نفي الجسمية، فنفوا صفات كثيرة ذاتية وفعلية واردة في الكتاب والسنة مثل: العلو والاستواء واليدين. فألزمهم الناس بالتناقض إذ هم قد أثبتوا أن الله قائم بنفسه، فما معنى القيام بالنفس؟ "وذكروا أن بعضهم أورد هذا على أبي إسحاق الإسفراييني ففر إلى قوله: إنما أعني بقوله: قائم بنفسه: أنه غير قائم بغيره! وهذا عجب! فإنه إذا كان موجوداً، والموجود إما قائم بنفسه: أنه غير قائم بغيره! وهذا عجب! فإنه إذا كان موجوداً، والموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره، فقوله: "غير قائم بغيره" إنما حاصله أنه قائم بنفسه، فحاصل جوابه إنما يعني بقوله: قائم بنفسه أنه قائم بنفسه!! " (?)

فإذا كان لا يلزمهم من قولهم: إنه قائم بنفسه، إثبات الجسمية، فكذلك لا يلزم من إثبات العلو والاستواء واليدين ونحو ذلك من الصفات إثبات الجسمية – فإن كان يلزم في الثانية فقد لزم في الأولى، فيلزم الوقوع في التناقض.

¤منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 642

طور بواسطة نورين ميديا © 2015