ويمكن حصر التناقض والاضطراب في هذا النوع في مسألتين:
المسألة الأولى: في الإثبات: التناقض الأول: أثبت الأشاعرة من الصفات الوجودية الثبوتية سبع صفات سموها صفات المعاني، ونفوا ما عداها من الصفات الخبرية الذاتية والفعلية، فألزمهم الناس إلزاماً قوياً وهو: إن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر، فإن كان لا يلزم من إثبات الصفات السبع أي محذور من المعاني الباطلة من الجسمية أو حلول الحوادث أو التركيب، فكذلك لا يلزم من إثبات بقية الصفات تلك المحاذير – وهذا هو الصواب -. وإن كان يلزم من إثبات بقية الصفات تلك المحاذير، فقد لزم إثباتها من الصفات السبع كذلك، إذ الأصل واحد كما تقدم (?). ولا شك أن الذي دفعهم إلى هذا التفريق هو ما توهموه من قياس الغائب على الشاهد – وسيأتي مزيد بيان لتناقضهم في السبب الموجب للتأويل إن شاء الله.
التناقض الثاني: إن طريقة إثباتهم لصفات المعاني طريقة غريبة أوقعتهم في بعض الإشكالات المتناقضة:
منها أنهم أثبتوا إرادة قديمة ذاتية – وهذا حق – ولكنهم نفوا تخصيصاً فعلياً فلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا إن الحوادث كلها قديمة لقدم موجبها – وهم لا يقولون به-.، أو يقولوا إن كل حادث حدث بعد أن لم يكن لتخصيصه بالإرادة في وقته المعين، فيلزم إثبات الصفات الاختيارية، وهو الصواب.
ومنها: أنهم أثبتوا نوعين من الكلام، نفسي قديم أزلي وآخر لفظي مخلوق، ثم قالوا بأن الأسماء الحسنى – وهي كلام الله – غير مخلوقة فاضطربوا، وحاولوا تخريج هذا القول فلم يوفقوا.
ومنها: أنهم جوزوا عقلاً وقوع الكذب عليه يثبت بالشرع، والشرع يثبت بالمعجزة، وهي لا تثبت إلا بالعلم بامتناع الكذب على الله، فحصل الدور!
والثاني: جواز إفحام الأنبياء، إذ يمكن على أصلهم إفحام الأنبياء بأنه لا يلزم من الإتيان بالمعجزة إثبات صدقهم!
ومنها أنهم أثبتوا تعدداً للكلام بحسب تعلقاته أما هو في أصله فمعنى واحد، فألزموا بأمرين:
الأول: إذا كان التعدد في الكلام إنما هو بحسب التعلق فإذا كان طلب فعل سمى أمراً، وإذا كان طلب ترك سمي نهياً وهكذا ... فلم لا يجوز أن يقال إن الصفات السبع التي أثبتموها حقيقتها صفة واحدة، وتعددها إنما هو بحسب التعلقات فقط، فمثلاً إذا تعلقت تلك الصفة بالممكن إيجاداً سميت قدرة، وبه تخصيصاً سميت إرادة، وإذا تعلقت بالموجود انكشافاً سميت سمعاً أو بصراً .. – وهكذا إلى بقية الصفات.
الثاني: وهو متفرع عن هذا الإلزام، وهو: إذا عادت حقيقة الصفات السبع إلى صفة واحدة، فلم لا يجوز رد هذه الصفة إلى الذات فلا تثبت له أي صفة، فيقال عندئذ: إن الذات إذا تعلقت بإيجاد الممكن سميت قدرة، وإذا تعلقت بتخصيصه سميت إرادة – وهكذا.
ومنها في صفة العلم، فإنهم اشترطوا لإثباته قصد إتقان الفعل وإحكامِهِ، لأنه إذا لم يشترط كان حدوث الفعل اتفاقياً – وهو لا يدل على العلم، لذلك اشترطوه – وهذا كلام مستقيم، ولكنهم تناقضوا، فنفوا قصد الحكمة في أفعال الله وأحكامه، وأثبتوا حكمة في الجملة، أما أن تكون مقصودة فلا، فصارت الحكمة على أصلهم هذا اتفاقية لا مقصودة، وكل ما أوردوه من إشكالات في صفة الحكمة فإنها ترد عليهم في العلم والإرادة كذلك.
المسألة الثانية: في التنزيه:
وأما تناقضهم واضطرابهم فيه ففي عدة أشياء منها: أنهم اعتمدوا في نفي الصفات الفعلية كالغضب والرضى والنزول والاستواء على أصل: نفي حلول الحوادث، ثم شرعوا في تأويلها، فثبت تناقضهم في أمرين: