ما ذكره سهل بن عبد الله التسترى في قوله تعالى: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) سورة الشعراء وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشعراء80 - 81] قال: (يعنى إذ تحركت بغيره لغيره عصمنى، وإذا ملت إلى شهوة من الدنيا منعها عنى، وقوله والذى يميتنى ثم يحين أي الذي يميتنى بالغفلة ثم يحينى بالذكر) وفي قوله: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [النمل:52] قال: (الإشارة في البيوت إلى القلب فمنها ما هو عامر بالذكر، ومنها ما هو خرب بالغفلة ومن ألهمه الله عز وجل بالذكر فقد خلصه من الظلم) (?).
وقال في قوله تعالى:
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] ..
ظاهرهما ما عليه من أهل التفسير، وباطنها هو الروح والعقل والقلب والطبع والهوى والشهوة، فإن بغى الطبع والهوى والشهوة على القلب والعقل والروح، فليتقاتل العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة وأنوار الموافقة ليكون الروح والعقل غالبا والهوى والشهوة مغلوبا (?).
وأورد أبو نصر السراج الطوسي بعض الأمثلة التي ذكرها الصوفية من طريق الإشارة والاستنباط والفهم الصحيح، وبين أنهم لم يقدموا فيها ما أخر الله تعالى ولا أخروا ما قدم الله، ولا نازعوا الربوبية ولا خرجوا عن العبودية ولا يكون فيه تحريف الكلم، منها قوله تعالى: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88 - 89] سئل عنه أبو بكر الكتانى فقال: القلب السليم على ثلاثة أوجه من طريق الفهم:
أحدها: هو الذي يلقى الله تعالى عز وجل وليس في قلبه مع الله شريك.
والثاني: هو الذي يلقى الله تعالى وليس في قلبه شغل مع الله عز وجل ولا يريد غير الله تعالى.
والثالث: الذي يلقى الله عز وجل ولا يقوم به غير الله عز وجل، فنى عن الأشياء بالله، ثم فنى عن الله بالله (?). ويعقب السراج الطوسي بقوله: (معنى قوله: فنى عن الله بالله، يعنى يذهب عن رؤية طاعة الله عز وجل ورؤية ذكر الله ورؤية محبة الله، بذكر الله له ومحبته قبل الخلق، لأن الخلق بذكره لهم ذكروه، وبمحبته لهم احبوه، وبقديم عنايته بهم أطاعوه (?).
ومثل ما أشار الجنيد بن محمد سيد الصوفية في عصره بقوله تعالى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [النملك88]، إلى سكونه وقلة اضطراب جوارحه عند السماع، وكذلك ما كان يشير به أبو علي الروذبارى إذا رأي أصحابه مجتمعين فيقرأ:
وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ [الشورى:29] (?).
وقال أبو القاسم القشيرى في قول الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [الإسراء:33]، لا يجوز قتل نفس الغير بغير الحق، ولا للمرء أن يقتل نفسه أيضا بغير الحق، وكما أن قتل النفس بالحديد وما يقوم مقامه من الآلات محرم، فكذلك القصد إلى هلاك المرأ محرم، ومن انهمك في مخالفة ربه فقد سعى في هلاك نفسه، وقوله: وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء:33] أى تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه، وعلى معنى الإشارة إن النصرة من قبل الله ومنصور الحق لا تنكسر سنانه ولا تطيش سهامه (?).
¤المعجم الصوفي لمحمود عبد الرازق1/ 138 - 140