يرى الدكتور محمد كمال جعفر أنه لا بد قبل تقرير شروط قبول التفسير الصوفي التنبه إلى أن التفسير الصوفي يرتبط بنوعية اعتقاد المفسر، ويمكن إجمال تفسيراتهم في نوعين:
(1 - التفسير النظرى: وهو التفسير المبنى على نزعة فلسفية حيث تتوجه الآيات القرانية لديهم وفق نظرياتهم وتتفق مع تعاليمهم.
(2 - التفسير الإشاري: هو تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك ولا يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة.
والفرق بين التفسير النظرى والتفسير الإشاري في أثرهما على تفسير القرآن أن التفسير النظرى يبنى على مقدمة علمية تنقدح في ذهن الصوفي أولا ثم ينزل القرآن عليها بعد ذلك، أما التفسير الإشاري فلا يرتكز على مقدمات علمية بل يرتكز على مجاهدات رياضية، يأخذ الصوفي نفسه بها حتى يصل إلى درجة إيمانية تنكشف له فيها من سبل العبارات هذه الإشارات، وتتوالى على قلبه تحليل الآيات من المعاني الربانية.
كما أن التفسير الصوفي النظرى يرى صاحبه أنه كل ما تحتمله الآية من معاني وليس وراءه معنى آخر يمكن أن تحمل عليه إلا هذا، على حسب طاقته أما التفسير الإشاري فلا يرى الصوفي أن كل ما يراد من الآية بل يرى أن هناك معنى آخر تحتمله الآية ويراد منها أولا وقبل كل شيء ذلك المعنى الظاهر الذي ينساق إليه الذهن قبل غيره.
ويرى الدكتور جعفر في شرطه لقبول التفسير الصوفي أن تأويل الصوفية للقرآن أو الفهم الخاص له إذا خلا من أي هدف سياسي أو اجتماعى، سواء كان لرد اعتبار أو كوثيقة أمن أو بسط سلطان أو كسب ثروة أو احتفاظ بمراكز نفوذ تتعلق بأشخاص أو بجماعات، إذا لم يكن له مثل هذا الهدف وإذا كان لا يعارض نصا قرآنيا آخر، ولا يعارض الاستعمال العربي، ولا يؤدى إلى تحريف أو انحراف، وإذا كان وجوده يضيف ثروة روحية أو عقلية، وإذا كان لا يدعى من السلطة ما يجعله أمرا ملزما، بفرض واحديته في الأحقية، إذ كان كذلك فهو تأويل مقبول، ليست له غاية إلا تعميق الفهم عن الله الذي ما زال كتابه منبعا لا يغيض ومعينا لا ينضب للحقائق والأسرار (?).
ومن ثم وبناء على ما سبق من الآراء يمكن تقرير الشروط التي يقبل بها التفسير الصوفي في العناصر الآتية:
1 - ألا يكون التفسير الصوفي منافيا للظاهر من النظم القرآنى الكريم.
2 - أن يكون له شاهد شرعي يؤيده.
3 - ألا يكون له معارض شرعي أو عقلى.
4 - ألا يدعى أن التفسير الصوفي هو المراد وحده من الظاهر.
5 - ألا يكون التأويل بعيدا لا يحتمله اللفظ فيه تلبيس على أفهام الناس.
فإذا توفرت هذه الشروط، وليس للتفسير ما ينافيه أو يعارضه من الأدلة الشرعية، جاز الأخذ به أو تركه، لأنه من قبيل الوجدانيات، والوجدانيات لا تقوم على دليل نظرى، وإنما هو أمر يبعث على تنمية المشاعر وتحصيل مكارم الأخلاق، فيجده الصوفي من نفسه ويسره بينه وبين ربه، فله أن يأخذ به أو يعمل بمقتضاه دون أن يلزم به أحدا من الناس، والأحرى ألا يسمى هذا اللون من الفهم تفسيرا وإنما يسمى ذكر النظير بالنظير الذي يعتبر صحيحا (?).
¤المعجم الصوفي لمحمود عبد الرازق1/ 136 - 138