المبحث الرابع: آراء المستشرقين في التفسير الصوفي

وقبل النظر والتعقيب على الآراء السابقة في التفسير الإشار لنستخلص منها ما يمكن أن نصل إليه في تقرير شروط التفسير الإشاري، تجدر الإشارة إلى رأي بعض المستشرقين الغربيين من قبيل المقارنة المؤثرة في توجيه الآراء إلى الأفضل.

فنرى المستشرق نكلسون أستاذ مدرسة كمبردج الاستشراقية يصرح بأن التفسير الصوفي يشابه التفسير الشيعي وكلاهما عنده من التأويلات المغرضة التي تتلاعب بالنصوص، فيقول:

(استطاع الصوفية متبعين في ذلك الشيعة، أن يبرهنوا بطريقة تأويل نصوص الكتاب والسنة تأويلا يلائم أغراضهم على أن كل آية بل كل كلمة من القرآن تخفى وراءها معنى باطنيا لا يكشفه الله إلا لخاصة العباد، الذين تشرق هذه المعاني في قلوبهم وفى أوقات وجدهم، واعتبروا

أنفسهم خاصة أهل الله الذين منحهم الله أسرار علم الباطن المودعة في القرآن والحديث، وأنهم استعملوا في التعبير عن هذا العلم لغة الرمز والإشارة، التي لا يقوى على فهمها غيرهم من المسلمين) (?)، وربما كان هذا الموقف للمستشرق نيكلسون بسبب ما أشارت إليه الباحثة صلى الله عليه وسلم أن المستشرقين في القرن التاسع عشر قد عرفوا المصادر الصوفية المتأخرة والتي لا تصور التصوف في مراحله الأولى.

فحكم نيكلسون على جميع الصوفية في تفسيرهم للقرآن بما رآه من الغلو في التفسير الإشاري عند المتأخرين، ولذا أدرك نيكلسون بعد ذلك استحالة وضع حكم منصف للتصوف قبل أن تعد مصادره الأولى إعدادا علميا دقيقا، وقد تولى هو زمام المبادرة في نشر المخطوطات وتحقيقها والتعليق عليها وترجمتها وتحليل مادتها (?).

ويرى المستشرق جولد تسهير أن العمل بما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من أراد علم الأولين والآخرين فليتثور القرآن) لا يحصل بمجرد تفسيره الظاهر، فالأمور كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفى القرآن إشارة إلى مجامعها، وفيه رموز ودلالات لكل ما أشكل من ذلك على النظار، ومهمة التفسير هي استخراج كل ذلك العلم من الكتاب والتعمق في تفصيله، ووراء هذه المعاني الظاهرة يحتجب المعنى الباطن وتسكن أسرار القرآن التي ينبغى البحث عنها بتغلغل ونفاذ أعمق من ذلك، ولن يترتب على ذلك القضاء على ظاهر التفسير بل هو استكمال له ووصول إلى لبابه، وإذا كان التفسير الصوفي فيه تجاوز للتفسير المنقول المحدود في حرية لا توقفها قيود، ومع استخدام أمثلة بعيدة المدرك والمورد في الغالب في الكشف عن أفكار الورى إلا أن أثرت في التغلغل إلى ما وراء المسموع

والمنقول من المعاني المقصودة في كلام الله والمكنونة في حجبها والتي لا يعقلها إلا العالمون (?).

ويرى المستشرق هنرى كوربان أن المستمع للكلام الإلهي يحق له أن يفهم منه كل شيء، وفى أي حقل من المعرفة وفى أي درجة من العمق والخفاء شرط ألا يتجاوز فهم السامع، ولا يتعدى التفسير من محتوى الكلام ودلالاته الوصفية حقيقة ومجازا وكناية حيث أن علم الله عين ذاته ولا حد له وسع كل شيء علما (?).

¤المعجم الصوفي لمحمود عبد الرازق 1/ 133 - 135

طور بواسطة نورين ميديا © 2015