وزوال الشهوة يكون بشيئين: واحد يدخل تحت دائرة التكلف، وواحد يخرج عن دائرة الكسب والمجاهدة، فما يدخل في تكلف الآدمي ومقدوره هو الجوع، وأما ما يخرج من التكلف الهمم، وتنشر المحبة سلطانها في أجزاء الجسد، وتعزل كل الحواس عن أوصافهم، وتجذب كل العبد، وتغني عنه الهزل. وإن الحمد بن حماد السرخسي، الذي كان رفيقي في ما وراء النهر، رجلا محتشما، قيل له: أبك حاجة إلى التزويج، قال: لا، قالوا: لم؟ قال: إنني في حالي إما أن أكون غائبا عن نفسي، وإما أن أكون حاضرا بنفسي. وحين أكون غائبا لا أفكر في الكونين، وحين أكون حاضرا فإنني أجعل نفسي بحيث إذا وجدت رغيفا تعتبر أنها وجدت ألفا من الحور. فانشغال القلب بكل ما تريده يكون عظيما، فتنبه) (?).وذكر السراج الطوسي أيضا قصة صوفي تزوج من امرأة فبقيت عنده ثلاثين سنة وهي بكر (?).وذكر العطار عن عبد الله بن خفيف الصوفي المشهور أنه تزوج أربعمائة امرأة ولكنه لم يجامع واحدة منهن (?).

وهل لسائل أن يسأل: ما الغرض الذي كان من نكاحه إياهن؟.وذكر الشعراني أيضا عن صوفي آخر ياقوت العرشي أنه تزوج ابنة شيخه أبي العباس المرسي فمكثت عنده ثماني عشرة سنة لا يقربها حياء من والدها ومنها، وفارقها بالموت وهي بكر (?).

ونقل عن الشعراني أيضا عن أحد المتقدمين من الصوفية مطرف بن عبد الله الشغير المتوفى سنة 207 هـ أنه قال: (من ترك النساء والطعام فلابد له من ظهور كرامة) (?).

ونقل أيضا في كتابه (تنبيه المغتربين) من أحد الصوفية أنه قال: من تزوج فقد أدخل الدنيا بيته ... فاحذروا من التزويج (?).

وينقل ابن الجوزي عن أبي حامد الغزالي أنه قال: (ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج، فإنه يشغله عن السلوك ويأنس بالزوجة، ومن أنس بغير الله شغل عن الله تعالى) (?).

هذا ومثل هذا كثير.

ولقد بوب الصوفية في كتبهم أبوابا مستقلة في مدح العزوبة وذم التزويج، وهذا الأمر لا يحتاج إلى بيان أنه لم يأخذه المتصوفة إلا من رهبان النصارى ونساك المسيحية الذين ألزموا أنفسهم التبتل، خلافا لفطرة الله التي فطر الناس عليها.

تقليدا لهم واتباعا لسنتهم، واقتداء لمسالكهم ومشاربهم، مخالفين أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم الناسخ لجميع الشرائع والأديان، المبعوث بمكارم الأخلاق وفضائل العادات، فالله يأمر المؤمنين في محكم كتابه بنكاح النساء مثنى وثلاث ورباع وعند الخوف من عدم العدل بواحدة، فيقول جل من قائل:

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ [النساء:3].

وقال وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].

وجعل الزواج سببا لحصول السكون والطمأنينة حيث قال عز وجل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015