وأهل هذا الرأي، وإن كانوا قد تورعوا عن تكفيرهم على العموم، إلا أنهم مختلفون في حقيقة أمرهم، فمنهم من يرى أنهم وإن كانوا غير خارجين عن الإسلام لكنهم فسقة؛ لأنهم قد شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم طبقوا بالفعل أركان الإسلام، وهذا يمنع من تكفيرهم أو إلحاقهم بمن لا يقر بذلك، وتفسيقهم إنما كان لما عرف عنهم من تكفيرهم المسلمين، واستباحة دمائهم وأموالهم. وهذا الرأي هو لأكثر أهل الأصول من أهل السنة فيما يرويه ابن حجر بقوله: "وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق، وأن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد، وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشرك" (?).وذهب البعض الآخر من القائلين بعدم تكفيرهم إلى أن الخوارج فرقة كبقية فرق المسلمين، وأنهم وإن كانوا على ضلال فإن ذلك لا يخرجهم عن جملة فرق المسلمين التي وجد لها حسنات وأخطاء، وهذا ما يقوله الخطابي فيما يذكره عنه ابن حجر، جازما بأن هذا الحكم (أي عدم إخراجهم عن الإسلام) أمر مجمع عليه لدى علماء المسلمين وذلك في قوله: "أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين، وأجازوا مناكحتهم، وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام" (?).ومثل الخطابي ابن بطال، فقد قال أيضا: "ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين عن جملة المسلمين " (?)، من الكفر فروا، "ولكن ابن حجر يشك فيما يظهر في صحة هذا القول عن علي، ويرى أنه على فرض صحته فإنه يحمل على أنه لم يكن قد اطلع على معتقداتهم التي أوجبت تكفيرهم عند من يراه" (?).ويؤيد ما ذهب إليه ابن بطال ما أخرجه الطبري بسند صحيح عن عبدالله ابن الحارث عن رجل من بني نضر عن علي وذكر الخوارج، فقال: (إن خالفوا إماما عدلا فقاتلوهم، وإن خالفوا إماما جائرا، فلا تقاتلوهم، فإن لهم مقالا" (?).ويروي ابن أبي الحديد عن علي رضي الله عنه روايات تفيد أنه كان لا يرى كفر الخوارج، ولا استباحة دمائهم، ومنها قوله: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه)؛ ثم قال ابن أبي الحديد في تفسيره: "قال الرضي رحمه الله: يعني معاوية وأصحابه"، ويقول ابن أبي الحديد أيضا عن الخوارج: "ولهم في الجملة تمسك بالدين ومحاماة عن عقيدة اعتقدوها، وإن أخطأوا فيها ... ولا ريب في تلزم الخوارج بالدين" (?).ونلاحظ على ابن أبي الحديد هنا أنه عندما يحكم عليهم حين خروجهم على الإمام علي يرى بأنهم من أهل النار (?)!!

ومن الذين تورعوا عن تكفيرهم، ورأى أن حكمهم هو حكم غيرهم من الفرق الإسلامية – الشاطبي، فهو يرى أن الخوارج غير كافرين، مستندا في حكمه هذا إلى ما ورد من روايات عن السلف، وخصوصا ما كان من موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، حيث عاملوهم معاملة أهل الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015