يقول الشاطبي في هذا: "وقد اختلف الأمة في تكفير هؤلاء الفرق أصحاب البدع العظمى، ولكن الذي يقوى في النظر، وبحسب الأثر؛ عدم القطع بتكفيرهم، والدليل عليه عمل السلف الصالح فيهم".ثم استشهد بما جرى لهم مع علي وعمر بن عبدالعزيز، قال: "فإنه لما اجتمعت الحرورية وفارقت الجماعة لم يهيجهم علي ولا قاتلهم، ولو كانوا بخروجهم مرتدين لم يتركهم لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من بدل دينه فاقتلوه ... )) (?)، وعمر بن عبدالعزيز أيضا لما خرج في زمانه الحرورية بالموصل أمر بالكف عنهم على ما أمر به علي رضي الله عنه ولم يعاملهم معاملة المرتدين" (?).
ولعل الشاطبي رحمه الله يشير بما ذكره من أن عليا لم يهيجهم ولم يقاتلهم؛ أنه لم يتسرع إلى قتلهم أول الأمر، بل قال بأنه سوف يعاملهم معاملة حسنة، فلا يمنعهم المساجد، ولا يحرمهم الفيئ، ما دامت أيديهم معه وما داموا لم يرتكبوا محرما، ولكنهم حين خرجوا وقتلوا ابن خباب وغيره، حاربهم في معركة النهروان الشهيرة حتى أفناهم. ومن الذين اعتبروا الخوارج فرقة إسلامية كغيرها من الفرق الأخرى الشافعي فيما ينقله عنه الطالبي بقوله: "وأما الإمام الشافعي فإنه لم يفرق بين مذهب الخوارج وبين غيره من مذاهب الفرق الأخرى في عدم التكفير بها" (?).والقول بعدم تكفيرهم هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد أورد حول الحكم على الخوارج نقاشا طويلا، خلص منه إلى أنهم ليسوا كفارا ولا مرتدين، وإنما هم فئة باغية، وأورد حججا على صحة ما يراه في هذا الحكم، بما جرى لهم مع علي وابن عباس وغيرهما من الصحابة الذين لم يحكموا بردتهم، بل عاملوهم معاملة المسلمين، خصوصا حين انتهت تلك الحروب التي اشتعلت بينه وبينهم في النهروان، فهو كما يقول: "لم يسب لهم ذرية، ولا غنم لهم مالا، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين، كمسيلمة الكذاب وأمثاله، بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم ينكر أحد على علي ذلك، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام" (?).ويذكر أن عليا لم يحاربهم لأنهم كفار، وإنما حاربهم لدفع ظلمهم وبغيهم (?) .... إلخ ما أورده رحمه الله. ولكن شيخ الإسلام رحمه الله وإن لم يقل بكفرهم لكنه يعتبرهم من شرار الخلق وممن يجب قتالهم، وهذا رأي كثير من علماء المسلمين، وإن كان هناك من لا يرى وجوب قتالهم، فقد كان الحسن البصري ينهى عن مقاتلة الخوارج – فيما يبدو- فقد أتاه رجل فقال له. "يا أبا سعيد إن هؤلاء استنفروني لأقاتل الخوارج، فما ترى؟ فقال: إن هؤلاء أخرجتهم ذنوب هؤلاء، وإن هؤلاء يرسلونك تقاتل ذنوبهم، فلا تكن القتيل منهم، فإن القوم أهل خصومة يوم القيامة" (?).
وقال خريم معظما قتال الخوارج، وناهيا عن حربهم فيما ينقله الملطي عنه:
ولست بقاتل رجلا يصلي ... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعلي ذنبي ... معاذ الله من سفه وطيش
أأقتل مسلما في غير ذنب ... فلست بنافعي ما عشت عيشي (?).
وقال مروان بن الحكم لأيمن بن خزيم: "ألا تخرج تقاتل؟ فقال: إن أبي وعمي شهدا بدرا مع رسول الله، وإنهما عهدا إلي أن لا أقاتل أحدا يقول: لا إله إلا الله، فإن جئتني ببراءة من النار، قال: اخرج فلا حاجة لنا فيك" (?).
¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص539