فالأزارقة، وهي من أقدم الفرق المشهورة للخوارج كانت عند الإباضية من أهل الضلال والتقول على الله بالكذب، ومن المستحلين لكل ما حرم الله من دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، كما يصفونهم، وأنهم أول من خالف اعتقاد أهل الاستقامة (أي الإباضية) وأنهم أول من شق عصا المسلمين وفرق جماعتهم. يقول عنهم صاحب (كتاب الأديان)، بعدما تقدم من أوصافهم: "ومما أضلهم الله به وأعمى أبصارهم، أنهم أنزلوا أهل القبلة بمنزلة حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة أهل الشرك وأهل الأوثان" – إلى أن يقول: "فترك نافع بن الأزرق وأتباعه كتاب الله وسنة نبيه، وخالفوا سيرة المسلمين قبلهم" (?)،ولا يقل عنه في تكفير الأزارقة الورجلاني، فقد جعل الأحاديث الواردة في المارقة على الأزارقة، وأنهم هم المارقة حقيقة (?).أما موقفهم من النجدات: فإن هذه الفرقة لم تكن عندهم أحسن حالا من سابقتها، فقد تناولها صاحب (كتاب الأديان) المتقدم بالنقد، وذكر أحداثها التي أحدثتها في الدين، وأن نجدة ذاته كما قال عنه: "قد انتحل أمورا لم يأذن الله بها، ولم يرها المسلمون، قد ابتدع أمورا شرعها له الشيطان وزينها له"، ولم يزل عدو الله نجده يبتدع القول حتى نقم عليه أصحابه فقتلوه ثم تفرقوا فيما بينهم، ويقول فيهم وفي الأزارقة جميعا: "والكل منهم والحمد لله ضال مضل، جاير حايد عن السبيل" (?).ومثلهم الصفرية عند صاحب وفاء الضمانة، فإنهم عنده هم المقصودون بأحاديث المروق، ولا تصدق إلا عليهم، مع أنه يذكر أن الإباضية والصفرية كانوا يدا واحدة في النهروان، حتى أحدثوا استحلال دماء وأموال أهل المعاصي، فتركوهم، وذلك في قوله: "وكان الصفرية مع أهل الحق منا في النهروان، ولما ظهر منهم استحلال دماء أهل التوحيد وأموالهم بالكبائر أو بالمعاصي هاجروهم وفارقوهم" (?).وأحاديث المروق التي أوردها المؤلف مشهورة لا حاجة إلى إعادتها هنا، إلا أنه لا بأس أن نذكر حديثا استشهد به المؤلف كتبرير لحربهم الصفرية، وهو قوله: قال صلى الله عليه وسلم: ((تكون أمتي فرقتين، فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهما بالحق)) (?)، ثم قال: "وما زال أصحابنا من أهل عمان يقاتلون الصفرية" (?).
ومثل تلك الفروق في الضلال عند الإباضية فرقة الأعسمية أتباع زياد بن الأعسم، فيذكر صاحب (كتاب الأديان) أنه خرج ناقما على الأزارقة والنجدية والعطوية ويلعنهم، ثم تابعهم في أمور أهلكه الله بها."منها: أنه اعتبر حرب أهل القبلة كحرب رسول الله مع أهل الأوثان، وأنه يرى قتل قومه سرا وعلانية، وأنه تابع الأزارقة والنجدية والعطوية على أعظم ما استحلوا من الجور، فتابعه على ذلك من تابعه حتى هلك، ولم يزل الشيطان يزين لهم حتى صيرهم شيعا مفترقين، يقتل بعضهم بعضا، ويستحل بعضهم حرمة بعض، وشهد بعضهم على بعض بالشك"، ونحو هذا قال أيضا في فرقة العطوية أتباع عطية بن الأسود المنشقة عن النجدات (?).
هذا آخر ما تيسر لي ذكره في الرأي الأول، وهو القول بتكفيرهم، والآن سنعرض أقوال الذين قالوا بعدم تكفيرهم.
¤الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص527