والحقيقة أن ابن حزم إنما ذكر ما ذكره قبله كتاب المقالات، مع أنه لا مانع في الواقع من أن تنبت هذه الفرقة في أحضان الإباضية ثم تنحرف في عقائدها وتخرج عن آرائها. وقد كفر البغدادي فرقة الأزارقة، حيث يجعلها مع الفرق الخارجة عن الإسلام كاليزيدية والميمونية، فبعد أن ذكر أحداثهم قال: "وأكفرتهم الأمة في هذه البدع التي أحدثوها بعد كفرهم الذي شاركوا فيه المحكمة الأولى، فباءوا بكفر على كفر، كمن باء بغضب على غضب، وللكافرين عذاب مهين" (?).ومن أشهر بدعهم إنكارهم حد الرجم على المحصنين "إذ ليس في القرآن ذكره" (?)، بينما هو ثابت بالسنة من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وعليه مضى الصحابة. وقد قال عمر رضي الله عنه: (إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله) (?).
فتكون هذه الآية التي ذكرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه مما نسخت تلاوته وبقي حكمه. وهذه هي أقوال العلماء الذين كفروا الخوارج، أو كفروا بعض فرقهم، وتلك هي مبررات تكفيرهم لهم، وترجع هذه المبرروات إلى ما اتصف به الخوارج من مروق عن الدين، كما وصفتهم به الأحاديث النبوية، ولما ورد من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ولأقتلنهم قتل عاد)) (?)،وفي لفظ: ((ثمود)) (?)، ولحكمهم على مخالفيهم بالكفر والتخليد في النار.
وكذا تكفيرهم أعلام الصحابة رضوان الله عليهم ومحاربتهم عليا رضي الله عنه، وكذلك نكرانهم لكثير مما ورد من أخبار الآخرة، ثم لما تميز به بعضهم من آراء تخريجهم عن الإسلام صراحة: كالبدعة، والميمونة، واليزيدية.
والواقع أن الحكم عليهم بالكفر لم يكن من قبل علماء السلف ومؤرخي الفرق فقط، وإنما حكم به بعضهم على بعض أيضا، ولاسيما ما حكمت به فرقه الإباضية على غيرها من الفرق كما سنرى، فلقد كانت لهذه الفرقة مواقف عدائية من كثير من فرق الخوارج غير المحكمة، فإنها تتولاها وتترضى عنها وتعتبرها سلفهم الصالح، أما ما عداها كالأزارقة والنجدات والصفرية وغيرهم، فإنها هي الفرق الخارجية حقيقة في نظرهم، ولهذا فقد كفروهم ودارت بينهم وبين هذه الفرق المعارك الدامية في بعض مراحلهم التاريخية.